الإثنين 31 أغسطس 2015 / 20:33

مات المجلس.. عاش الرئيس!

كثيرة هي الاجتهادات حول دوافع ومبررات الدعوة إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني في جلسة استثنائية يمنحها الأمر الواقع صلاحيات الجلسة العادية بما فيها انتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وأكثر منها الاجتهادات المتعلقة بمدى قانونية الاجتماع احتكاما إلى نصوص النظام الأساسي لمنظمة التحرير، فالراغبون بعقد هذا الاجتماع بمن حضر وفي الموعد المزمع منتصف الشهر الجاري وفي رام الله تحديدا، تمكنوا من إقناع رئاسة المجلس بقانونية هذا الإجراء ما دعا رئيس المجلس سليم الزعنون لتوجيه الدعوات إلى أعضاء المجلس لحضور الاجتماع. والمعارضون لعقد المجلس الوطني بهذه الطريقة وبهذه الأجندة التي صارات بائنة ومكشوفة يتكئون على المواد الواضحة في النظام الأساسي للمنظمة، وهي مواد لا تسمح بهذه المناورة المكشوفة من قبل رئيس السلطة والمنظمة وما تبقى من حركة فتح لإعادة تشكيل وتفصيل الإطار القيادي الفلسطيني على مقاسه وعلى مقاس الخط الأوسلوي في السلطة وفي المنظمة.

لكن، وبعيدا عن الاجتهاد والتأويل، يبدو العبث بالمجلس الوطني تجاوزا لأخطر الخطوط الحمراء في العمل الوطني الفلسطيني، ليس فقط لأن هذا المجلس هو البرلمان الفلسطيني الذي يمثل جموع الفلسطينيين في العالم وليس أهل الضفة والقطاع فقط، ولكن لأن هذا المجلس هو آخر الأطر التي لم يتم تخريبها حتى الآن، بعد أن تم تخريب السلطة بالفساد وتغول التحالف القائم بين قطاع البزنس وقطاع الأمن، وبعد أن تم العبث بحركة فتح وتفصيل نتائج مؤتمرها الأخير في بيت لحم لابقاء الحركة وأطرها القيادية كاللجنة المركزية والمجلس الثوري في قبضة "الرئيس" وتحت مظلته.. وبالتالي إبقاء الحركة أسيرة لنهج أوسلو والمفاوضات العدمية التي تحولت إلى "وسيلة وحيدة للنضال"!

صحيح أن المجلس الوطني ليس برلمانا نموذجيا للشعب الفلسطيني، فهو لا ينتظم في عقد اجتماعاته وبالتالي لا يؤدي مهمته الأساسية في مراجعة التوجه السياسي وتحديد مسار العمل الوطني الفلسطيني على المستويين المرحلي والاستراتيجي، وهو أيضا، وبحكم الفواصل الزمنية الكبيرة بين اجتماعاته، لا يؤدي مهمته في إنتاج القيادة القادرة على قيادة منظمة التحرير، وبالتالي قيادة الفلسطينيين في العالم، ومنهم فلسطينيو الضفة والقطاع الذين تقودهم السلطة المنبثقة عن اتفاق أوسلو.

وصحيح أيضاً أن المجلس الوطني لا يعكس التمثيل الشامل للفلسطينيين نتيجة وجود حركتي حماس والجهاد الاسلامي خارجه وخارج أطر منظمة التحرير، ما يعتبر نقيصة تصل حد الخطيئة السياسية التي تتحمل مسؤوليتها حركتا حماس والجهاد مثلما يتحمل مسؤوليتها خط أوسلو في حركة فتح.
لكن المجلس، رغم ذلك، هو نظريا السلطة التشريعية الأعلى التي تنتج بالانتخاب قيادة فلسطينية عليا تبقي منظمة التحرير على قمة الهرم القيادي الفلسطيني وتحول دون تحولها إلى مجرد أداة من أدوات السلطة ورئيسها.

لذا ينبغي النظر إلى مناورة عقد المجلس الوطني بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب الاستبعادي أو الاقصائي بكل ما يحمله الأمر من خطورة، لأن القضية الوطنية ينبغي الا تخضع إطلاقا للصراعات القائمة بين الرئيس وخصومه، أو بين النهج الأوسلوي الحاكم والقوى المعارضة التي لم يرتق رد فعلها على "مناورة المجلس الوطني" إلى المستوى المتوقع.

سيمضي "الرئيس" في خطته لعقد جلسة استثنائية بصلاحيات الجلسة العادية للمجلس الوطني، وسيقر المجتمعون في رام الله في منتصف أيلول تشكيل اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير خالية ممن يجرؤ على قول لا للسيد الرئيس. ويعني ذلك موت المجلس الوطني لكي .. يعيش الرئيس!