الأربعاء 2 سبتمبر 2015 / 18:43

بعض ما يجري في لبنان

مع ظهور تجمّع "طلعة ريحتكن" الشبابيّ في بيروت، ولا سيّما بعد تحرّكاته المتتالية وتظاهرة يوم السبت الماضي، ثمّ الاقتحام السلميّ لمبنى وزارة البيئة، بدا أنّ فريقي 8 و14 آذار مستاءان. فهذان الفريقان اللذان انتصفت بينهما الحياة السياسيّة منذ 2005، لا تحول عداوتهما الفعليّة دون اتّفاقهما على إبقاء الانشطار الآذاريّ محوراً لسياسة تُعرّف بأمرين اثنين:

من جهة، إبقاء الاستقطاب الطائفيّ قائماً يمسك وحده بالبلد سياسةً واجتماعاً، حتّى ليمكن وصف النظام اللبنانيّ بأنّه نظام الاختلاف الطائفيّ،
ومن جهة أخرى، استبعاد القضايا المعيشيّة (نفايات، كهرباء، تعليم...) التي تقع خارج الاستقطاب المذكور، والتي يفاقمها رسميّون وسياسيّون يتوزّعون ما بين 8 و14 ولا يرغبون لها بأن تتحوّل موضوعاً سياسيّاً.

التحرّك الشبابيّ، على تواضعه، هدّد بطرح تناقض آخر في الساحة، تناقضِ يخلّ تعريفاً بتماميّة الانقسام الطائفيّ كتناقض أوحد. هكذا راحت تظهر في الأوساط العريضة للآذارين، 14 و8، "تحليلات" تصدّرها اثنان:

- ففي أوساط محسوبة على 8 آذار، جعل يتردّد أنّ السفارة الأمريكيّة هي الطرف الذي يقف وراء هذه الشبيبة، لأنّ رأس حزب الله مطلوب أميركيّاً. والدليل على ذلك أنّ قطاعاً عريضاً من الشبّان أصرّ على وضع صورة حسن نصر الله إلى جانب صور السياسيّين الآخرين المتّهمين بالفساد.

- وفي المقابل، ففي أوساط محسوبة على 14 آذار، راح يتردّد أنّ من يقف وراء الشبيبة هو حزب الله وإيران، لأنّ رأس الطائفة السنيّة مطلوب، بدليل أنّ وزيري البيئة والداخليّة (محمّد ونهاد المشنوق) اللذين ركّز المحتجّون على دوريهما هما من السنّة.

وتقاطع "التحليلان" في زاوية ضيّقة هي اتّهام إمارة قطر.

غنيّ عن القول إنّ محاولة الجمع بين "التحليلين" لا تقود إلى أيّ معنى. إلاّ أنّها، مع هذا، تشير إلى أمور أساسيّة ثلاثة لا تزال تتحكّم بالسياسة والفكر السياسيّ في لبنان، بل في عموم منطقتنا:

فأوّلاً، يلتقي المتخاصمون على أمور عدّة يتصدّرها الإصرار على منع عالم جديد من القيام، وبالتالي على عدم الاعتراف بجيل جديد وحديث ينبغي أن يصعد إلى سدّة صناعة القرار. وهذا هو المعنى المحدّد لوصف الاختلاف الطائفيّ بأنّه نظام قائم بذاته.

وثانياً، يستعرض الفكر التآمريّ جاذبيّته القويّة التي تجد، لشديد الأسف، من يأخذ بها ويصدّقها ويروّجها، على رغم تهافتها المنطقيّ البيّن. وهذا إنّما يرقى إلى ضعف التقليد السياسيّ ومعه الشفافيّة في الحياة العامّة لبلداننا، بما يمنح الشائعة والخرافة قوّة ملحوظة، كما يحول دون المقارنة والتمحيص.

وثالثاً وأخيراً، يتبدّى كم أنّ أيّاً من الأطراف الطائفيّة غير مستعدّ أن يقبل واقع الاختلاف معه. فحين يظهر مثل هذا الاختلاف فإنّ المختلفين لا بدّ أن يكونوا عملاء أو جواسيس لأطراف شريرة. وهنا تستعير الأطراف الطائفيّة نفس التعابير التي برع نظام كالنظام السوريّ في استخدامها، كالمندسّين والأشرار والطابور الخامس إلخ...

ولا يؤتى بجديد حين يقال إنّ شبّان التحرّك المطلبيّ أضعف كثيراً من الطوائف، وإنّهم لم يطوّروا حتّى اللحظة لغة سياسيّة يمكنها التصدّي لهرطقات الطوائف. لكنّ هذه العوامل حتّى لو تأدّت عنها هزيمة التحرّك، لن تحول دون تأسيس بداية ما، بدايةٍ يبقى شبّان لبنان المسؤولين عن تطويرها أو عن تبديدها.