الخميس 3 سبتمبر 2015 / 18:41

صورة طفل غريق

"لا تندكوا علينا بوضع الصور المؤلمة" علق أحدهم على الفيسبوك بعد انتشار صورة الطفل السوري الغريق على شواطئ تركيا. كنت أقول مثله. لا نريد أن ننكد على أنفسنا بتذكير أنفسنا أن هناك طامة كبرى وقعت على عدد كبير من الناس في سوريا. الصدمة كانت مدوية، أردنا إخفاء رؤوسنا في الرمال لكي لا نرى ماذا يحصل في الضفة الأخرى. لم نرد أن نعرف، أن نسمع، أن نرى، لأن هذا كان فوق طاقة احتمالنا فوق طاقة إدراكنا وتصديقنا، فوق طاقة استيعابنا، وهو مؤلم لحد الوجع. الألم شعور عارض أما الوجع شعور مقيم، وهذا يعطل عملية الحياة، ونحن نريد أن نعيش، لأننا لا نمتلك شيئاً نغير به الواقع، لأننا عاجزون تماماً، فإذن لماذا نهتم فنتألم فنعيش في وجع؟ نفضّل أن تأتي أوجاعنا من الآلام الصغيرة الشخصية، كصداع صباحي عارض، وحبيب خائن هجر، وصديق غدر، وفرصة ضاعت، وغيرها من هموم الحياة العادية التي تتكرر وتتشكل في شرنقة الروتين والطموح والأمل والاحباط والسأم. نريد أن نحيا الحياة العادية، ولا نريد أن نعرف أن هناك بشراً يصارعون الموج لأنهم مثلنا أيضاً يريدون حياة.

ولكن، ماذا لو كانت هذه الصورة هي صورة طفلك. وتجاهلها العالم، ومضى في سبيل حياته. ثم صرت وحدك مهجوراً مع جثة طفل على شاطئ، صرت وحدك بغصة غرق طفلك، تظل اللقطات الأخيرة وهو يصرخ في أذنك. أنت ستفقد الإحساس بالعالم، وإذا فقدت الإحساس بالعالم العالم سيفقد الإحساس بك وبكل أمثالك من المعذبين في الأرض. أن تشارك صورة فأنت تلتفت، أنت لا تشيح بوجهك لأن المنظر يؤذي بصرك ويوجع قلبك الرقيق الذي لا يحتمل، أنت تلتفت بشجاعة، أنت تمد يدك، ترفع جثة الطفل، تربت على كتف والده، تحفر قبره، تدفن جسده الصغير، وتنفض عن بصرك التراب، وترفع رأسك من جحر النعامة وتقول كفى.

حين يقل الالتفات لمعاناة الآخرين يقل منسوب الإحساس في العالم. نعم انتشار الصورة أيضاً قد يبلّد الإحساس حين تذهب صدمة الرؤية الأولى، لكن بعض الصور لم توجد لتكون صدمة فقط، بل لتكون موقف وعلامة فارقة وأيقونة رفض وسؤال ومواجهة ومطالبة للعالم بوقف كل هذا العبث بأرواح البشر.

إذا هجر العالم إنسان يتعذب سيفقد هذا الإنسان إيمانه بالخير. وتزايد أعداد الناس الفاقدين للإيمان بوجود الخير يؤدي لنشوء أحجار صلدة كثيرة في جوانب الكرة الأرضية، مع كل إيمان ينقص في قلب إنسان يرتفع منسوب الحجر على الأرض، حتى تتحجر الأرض جميعها وتضيق بمن عليها. ينخفض منسوب الأخضر والأزرق، تتصحّر الدنيا، يتحول الكوكب لأحجار وصحارى ويصير غير صالح للسكن البشري، بل فقط للوحوش الضارية والزواحف السامة. الأرض تعمّرها الرحمة والتعاطف والتعاون والمحبة والنجدة، نجدة الملهوف وإغاثة المنكوب والقفز بكل صدق لإنجاد الغريق. أنجدوا أخاكم الإنسان، بكل ما استطعتم، كي يبقى على الأرض خير، وكي تبقى الأرض، وكي يبقى الإنسان. وكي يبقى قلب الإنسان عامراً بالإيمان. أنقذوا الأرض من التحجر والروح من التصحر. صورة الطفل السوري الغريق تصرخ فيكم جميعاً أن تنقذوا سوريا.

الأطفال ليسوا أبناء آبائهم، إنهم أبناء العالم. وكل طفل مسؤول من كل فرد في العالم. جثة الطفل الملقية كدمية على الشاطئ يد تمتد من قاع البحار إليك أيها الانسان، أينما كنت، تقول لك، انتشلني، فأنا ابنك.