السبت 5 سبتمبر 2015 / 20:03

الإمارات: لوحة الشرف العليا

في العرف الإنساني، يجمع الحزن أكثر مما يفعل الفرح. وتثبت المصاعب ما لا تثبته أوقات الرضا. في السياسة كما في تأثير ذلك على الشعوب، تآزر الدول وتحالفها له دلالات عميقة لا يمكن أن تنسى. فهي تنعكس على أمور كثيرة أشمل. لحظات للتاريخ. وبعض المشاهد مثل الفواصل ونقاط التوقف في فصول رواية أو مسرحية، وفي حياتنا كذلك. صورة واحدة قد تثير الرأي العالمي مثلما فعلت صورة محمد الدرة قبل أعوام، وصورة واحدة بدلت السياسات وأنهت حرب فيتنام التي سقط فيها نحو 58 ألف جندي أميركي ومليونين فيتنامي، وصورة واحدة أيضاً للطفل الكردي الذي لفظه البحر على شاطىء تركيا، أثارت الرأي العام العالمي.

كل تلك المشاهد مثل جرس تنبيه. ورد فعل السياسات أحياناً يأخذ صوراً مختلفة مع ردود فعل الرأي العالمي، وليس السياسي فحسب بل الأخلاقي أيضاً. وموقف الإمارات في الدفاع عن الجزيرة العربية ككل واليمن بشكل خاص هو موقف فعلي مشرف وعميق الأثر، موقف من إذا وعد أوفى. وخسارة ٤٥ شهيداً من جنودها البواسل هو امتداد للوحة الشرف العليا، تماماً كالخسائر الأخيرة من جنود السعودية وجنود البحرين في هذه الحرب الاضطرارية، حين اختلطت الدماء، في تجربة جاءت لتذكرنا مرة أخرى وبشكل ملحمي بمعنى وقيمة توحدنا.

بعض العلاقات تحتاج لحظات صعبة ساخنة لتتوثق ولتتعمق أكثر. ولم أجد أعمق من حدث الأمس وتبرعات الدم المشتركة. جنود الخليج هم جنودنا معاً، وخسارة أي منهم هي خسارتنا معاً، كما أرباحنا هي أرباح مشتركة.

أعزي من هذا المنبر شعب الإمارات وقيادتها وذوي الشهداء، كما أعزي البحرين ووطني السعودية بشهدائنا. وأقول لآباء الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم وذويهم: أبناؤكم وآباؤكم شجعان وأبطال حقيقيون أضافوا الكثير من الشرف للزي الذي ودعوا فيه الحياة بدمائهم، وأنهم سيبقون في ذاكرتنا ووجداننا. لا شك أن خسارتكم وخسارة الأوطان كبيرة، لكن لوحة الشرف تشهد على الشرفاء. وأن خدمة الوطن هي أعلى درجات الوطنية، وأغلى درجات التضحية، وأبناؤكم خدموا الجزيرة العربية وضحوا بأرواحهم من أجل الواجب الوطني ومن أجل شرعية بلد عربي جار، ولا تضحية أعلى من التضحية بالنفس. فحري بكم أن تفخروا بهم.

وأتمنى أن يكون هناك معلم، تنحت فيه أسماء الجنود الذين استشهدوا معاً، على غرار الطريقة العالمية في تكريم دائم للجنود الشجعان in honor of the fallen heroes. ولابد أن الخليج سيؤرخ هذا اليوم، وسنتذكرهم ما حيينا.