زيادة عدد المهاجرين الوافدين إلى دول الاتحاد الأوروبي (ارشيف)
زيادة عدد المهاجرين الوافدين إلى دول الاتحاد الأوروبي (ارشيف)
الأحد 6 سبتمبر 2015 / 20:10

أزمة الهجرة تمزق تماسك الاتحاد الأوربي

تمثل الانقسامات العميقة حول كيفية التعامل مع طوفان المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، خطراً على قيم الاتحادالأوربي ومكانته العالمي، وربما تقلص قدرته على العمل الجماعي لإصلاح منطقة اليورو، والتخفيف من أزمة ديون اليونان.

ومع الصور المروعة لأطفال غرقى وسوق اللاجئين كالقطعان لركوب القطارات أو النزول منها، وتعرضهم للضرب على أيدي رجال الشرطة وظهور أسيجة الأسلاك الشائكة لتقسم أوروبا، أصبحت أزمة الهجرة المعادل الأخلاقي لأزمة منطقة اليورو.

ففي الحالتين يتعرض مبدأ التكاتف لاختبار صعب.

وتعمل الأزمة الأخيرة على إضعاف مثل التكامل الأوروبي من خلال ظهور الاتحاد الأوروبي بمظهر العجز والتفكك والقسوة، وتأليب الدول الأعضاء بعضها على بعض، ومناصرة الشعبوية السياسية والمشاعر المناهضة للمسلمين.

ومع ذلك ففي كثير من الأحيان تحدث حالة من الفوضى وتبادل الاتهامات، قبل أن يتوصل الاتحاد الاوروبي إلى رد موحد على أي تحد جديد.

وربما بدأ تحول في السياسات رداً على صور المعاناة الفظيعة والمخاوف من انهيار منطقة شنغن القائمة على فتح الحدود أمام انتقال الناس بين 26 دولة أوروبية.

وقالت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الأسبوع الماضي "العالم يراقبنا" وهي تحاول إقناع زعماء أوروبا بالمشاركة في عبء استقبال اللاجئين الفارين من الحرب والبؤس في سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا وغيرها.

وأضافت "إذا فشلت أوروبا في قضية اللاجئين فستتدمر رابطتها القوية بالحقوق الإنسانية العالمية، ولن تكون بعد الآن أوروبا التي حلمنا بها".

ولم تلق المحاولة الجريئة التي بذلتها ميركل للقيام بدور القيادة -على النقيض من حذرها العميق في أزمة اليورو- سوى تأييد مشوب بالحذر من حلفاء مثل فرنسا،حيث المعارضة الداخلية قوية لاستقبال المزيد من المهاجرين، بل قوبلت بالرفض مباشرة من دول مثل المجر وبريطانيا.

وبالنسبة لكثير من الساسة الأوروبيين الذين يحاولون مجاراة الناخبين فإن منع الهجرة غير المرغوبة يمثل أولوية أكبر من الترحيب بمئات الآلاف من الأجانب النازحين المرهقين، لاسيما إذا كانوا مسلمين.

 الصدع بين الشرق والغرب

للمرة الأولى في عشر سنوات منذ انضمت عشر من دول أوروبا الوسطى للاتحاد الأوروبي فتحت الأزمة صدعاً بين الشرق والغرب، ورفضت معظم الدول قبول حصص من اللاجئين، بل إن بعضها استند صراحة لأسباب دينية.

ودفع ذلك المستشار النمساوي، فيرنر فايمان، إلى القول إن "على الاتحاد الاوروبي أن يعيد النظر في مساعداته المالية المستقبلية من أجل التنمية إذا لم تشارك دول الشرق في تحمل العبء".

والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا -التي فر منها اللاجئون إلى غرب أوروبا هرباً من حملات التضييق الشيوعية في 1956 و1968- من بين الدول التي تعارض بشدة أي توزيع إجباري لطالبي اللجوء الآن.

وقال رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، إن "المهاجرين يشكلون خطراً على الجذور المسيحية لأوروبا، بينما قالت سلوفاكيا وجمهورية التشيك إنهما ستقبلان عدداً صغيراً من اللاجئين ومن الأفضل أن يكونوا مسيحيين".

واتهم أوربان ميركل بزيادة الطين بلة في الأزمة بإعلان استعداد ألمانيا لقبول أعداد كبيرة من السوريين، وتشجيع المزيد من اللاجئين على المخاطرة بأرواحهم والاندفاع إلى أوروبا.

وقال رئيس معهد جاك ديلور، انتونيو فيتورينو، وهو مؤسسة أبحاث مؤيدة للاتحاد الأوروبي "منذ بداية أزمة اليورو أصبحت أوروبا جزءاً من المشكلة الأخلاقية لا جزءاً من الحل. وأزمة الهجرة هذه تزيد من ضياع الدور النموذجي للتكامل الأوروبي".

وقال المفوض السابق بالاتحاد الأوروبي للعدل والشؤون الداخلية، فيتورينو، وهو برتغالي اشتراكي ساهم في وضع إطار قواعد اللجوء المعيبة التي تداعت تحت وطأة أزمة العام الجاري إن "صورة أوروبا كأرض للكرامة الإنسانية واحترام التعهدات الدولية باتت في خطر".

وفي مناطق من العالم مثل جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية التي كانت تتطلع في وقت من الأوقات للاتحاد الأوروبي باعتباره نموذجاً للتكامل الإقليمي بدأ الناس الآن يقولون: "كنتم تعلموننا كيف نحل مشاكلنان والآن أصبحتم عاجزين عن حل مشاكلكم".

وسلم فيتورينو بأن اتفاقية دبلن - التي ساهم هو شخصياً في صياغتها وتنص على أن أول دولة يطأ أرضها اللاجيء هي المسؤولة عن التعامل مع طلب اللجوء- غير منصفة للدول الواقعة على أطراف أوروبا، والتي لا تتلقى مساعدة مالية أو عملية تذكر.

وأضاف "الممارسة العملية تظهر أن النظام لم ينجح. والآن خرجت الأمور عن السيطرة".

وتحتاج أوروبا سياسة لجوء مشتركة قادرة على فرز الطلبات، وإعادة من لا يستحقون اللجوء إلى بلادهم، وإعادة توطين اللاجئين الحقيقيين حسب قدرة الدول الأعضاء على استقبالهم.

دفعة للخروج من الاتحاد الأوروبي
ومع اشتداد الجهود للتوصل إلى نهج مشترك تنذر الخلافات بين زعماء الاتحاد الأوروبي بالسوء لمحاولاتهم لإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية والبيئية مثل إصلاح منطقة اليورو أو التصدي للتغيرات المناخية.

وقالت  كبيرة محللي السياسة العالمية، تينا فوردام، في مجموعة سيتي المصرفية الأمريكية العملاقة، والتي تعتبر أزمة الهجرة مصدراً رئيسياً للمخاطر السياسية في أوروبا "الاتحاد الأوروبي يواجه مشاكل في التعامل مع أكثر من مشكلة في وقت واحد".

وقالت لرويترز في مقابلة: "الخلاف والتراجعات فيما يتعلق باللاجئين والهجرة قد ينتهي به الأمر إلى تفتيت تماسك الاتحاد الأوروبي، وسحب الأكسجين السياسي اللازم للتعامل مع تحديات أخرى في الاقتصاد أو أوكرانيا".

ومن المحتمل أن تسقط حكومات بسبب هذه القضية أو تتأثر الانتخابات المقبلة. وحدث بالفعل أن بدأ صعود الأحزاب الشعبوية المناهضة للهجرة يعرض النموذج الاجتماعي في دول شمال أوروبا للخطر.

كما ترى فوردام أثراً محتملاً لمفاوضات بريطانيا لتعديل علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، قبل أن تجري استفتاء على استمرار عضويتها فيه قبل نهاية 2017.

وأضافت "قد يؤدي فشل بريطانيا الواضح في المشاركة في تحمل العبء إلى إضعاف قدرة ديفيد كاميرون بدرجة أكبر على استخلاص تنازلات قبل الاستفتاء".

وكان كاميرون رفض الانضمام لخطة أوروبية لإعادة توطين اللاجئين، وظل يصر على أن الحل ليس في قبول عدد أكبر من اللاجئين، إلى أن انحنى أمام الضغوط الاعلامية بعد فورة المشاعر الإنسانية، بسبب صورة طفل سوري غريق على أحد شواطيء تركيا.