الأربعاء 9 سبتمبر 2015 / 20:27

العاقل في سلمه وفي حربه لا يمكن أن يثق بمن هدفه جني الغنائم

جاء في "فتوح البلدان" للمؤرخ الشهير البلاذري أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، كتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب في نجد والحجاز يستفزهم للجهاد، فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع، وأتوا المدينة من كل أوب. كان ذلك في زمن لم يكن فيه للدولة جيش محترف ومدرب ينافح عن حدود الدولة ويحمي حياضها كما الحال في الدولة الحديثة.

والطمع هنا هو أكثر أنواع الفساد شراً، إذ وحده من يحرّك الذين يتسترون بأقنعة الدِّين والاخلاق ليحرفوا الكلم عن مواضعه، ويشوهوا المفاهيم تشويها بيّنا بقصد جر المجتمعات إلى ويلات الفوضى والفتنة والدمار، مظهرين لتحقيق مآربهم الخبيثة التأييد مرة والتغزل مرة ثانية والترحم على الشهداء البواسل مرة ثالثة بهدف جني الغنائم والتوغل في المجتمعات لتمرير مجون فتنتهم وطائفيتهم، وذلك دأبهم بل هو مطية يركبها الإسلام السياسي الذي يؤمن بأن العاقل في السلم عادة ما يضيّع رشده في الحرب، منطلقا من مسكوكة لا تنطبق عليه وهي "أن عدو عدوي قد يكون صديقي"، لكن الإسلام السياسي ينسى دوما بأن العاقل في سلمه وفي حربه على السواء لا يمكن أن يثق بشرذمة من الحثالات!

وهكذا فَإن الرجل المحتسب يفعل الخير تطوعاً لوطنه ويدرك بأن الذهاب للدفاع عن الوطن لا يكون بقرار شخصي نابع من الهوى أو من الحماسة، لكنّ الطامعين من الطارئين يريدون الاستحواذ على ما ليس لهم، ساعون إلى زج الشباب في مستنقعات الأيديولوجيا البغيضة وسوقهم إلى معارك لا تخصهم ولا تعنيهم. ونحن لا نخشى هؤلاء مثلما لا يخشى المواطنون "الحثالات" لكن علينا أن نعريهم وأن نعري خبث أهدافهم.

ليس خافياً على أحد محاولات بعض التيارات الإسلامية السياسية الطامعة، طوال السنوات الأربع الماضية، استغلال الأوضاع في سوريا تحديدا، لبث روح الطائفية والمذهبية البغيضة، وتحت هذه الشعارات الزائفة الزائغة، جروا آلاف الشباب المتحمسين، من أرجاء المعمورة، بما في ذلك من دول الخليج العربي، لكي يكونوا وقودا في حرب لا يمكن لها، وفقا لهذا السقف الطائفي، أن تنتهي. بل هي مشروع فوضى دائمة ومفتوحة تجر شعوب المنطقة إلى المزيد من الخراب، وتستنزف خيراتها وثرواتها، خاصة ثروتها البشرية، وتشغلها عن حاضرها ومستقبلها بثارات تنتمي إلى أزمنة غابرة.

ومن المهم التذكير في هذا السياق، بأن دولة الإمارات، وضعت يدها أخيراً على خلية تعمل وفق هذه الأجندة المفضوحة وتسعى إلى ضم شباب إماراتيين للانخراط فيها. وأصحاب هذا الخطاب يلجؤون إلى مفهوم الجهاد، بعد تشويهه كليا، ويستغلون حوادث الأيام، لكي يعاودوا بث سمومهم واستكمال أجنداتهم المشبوهة.

أصحاب هذه الأجندات، في حالة اليمن مثلاً، يعلون من الخطاب الطائفي، ويتعمدون التقليل من شأن الخطاب الوطني والسياسي، فتجدهم يوقظون ثنائية الشيعي والسني، بوصفها المحرك الاساس لحرب اليمن، والمفارقة أن بعضا ممن يقفون على النقيض تماما من دول الخليج وسياسات ورؤى قادتها، يطلون برؤوسهم اليوم، مادحين التحرك العربي في اليمن، علما أن دول الخليج، ومنها الإمارات، أوضحت منذ البداية، وبما لا يحتمل اللبس أو التأويل أو التوظيف، أنها لا تخوض هذه الحرب، ضد فئة أو جماعة أو طائفة، بل ضد خطف اليمن وقراره وشرعيته وشعبه، من أجل مغامرات توسعية وأطماع إقليمية.

هذا كله، يدفعنا، في هذه اللحظات التاريخية المفصلية من حياتنا في دولة الإمارات، إلى أن نتوقف ملياً عند الدعوات الجهادية المضللة والفتاوى الحاقدة التي تسعى إلى الاصطياد في الماء العكر، ولحسن الطالع فإن المجتمع الإماراتي أظهر وحدته وتلاحمه ومتانة نسيجه والتفافه حول قيادته وثقته التي لا حدود لها بحكمتها وثاقب بصيرتها، لكن بعض الأصوات المقنّعة بجلابيب الدين تأبي إلا أن تكشف عن مكنوناتها، فتشرع بنشر الأراجيف وتروج لشائعات خبيثة مثلما فعلت عندما قامت بالترويج لقائمة مزيفة للشهداء حتى تربك المجتمع وتشوه احترافية القوات المسلحة الإماراتية ومهنيتها العالية ومصداقيتها وقوتها، ومن يتأمل القائمة المزيفة يدرك سريعاً الأهداف التخريبية التي لا تخطئها العين البصيرة.

لقد صعب على أهل الفتن والداعين إلى الجهاد العبثي أن يروا الإمارات وهي تعيش الروح الجديدة تلك التي تسري في مجتمعنا والتي نبّه إليها الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي روح تكشف عن متانة البناء الذي أرسى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قواعده، أقول صعب عليهم احتمال ذلك فشرعوا يتحدثون عن الجهاد من منظور منحرف يسعى إلى التغرير بالشباب واستغلال حماسته وتضليله، فبدا وكأن أصحاب هذه الفتاوى يعيشون خارج منطق الدولة الحديثة التي تعتمد على قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية في الحفاظ على أمنها وليس على الجهود الفردية.

كما يستغل هولاء المتشددون- المتطرفون هذه اللحظات التاريخية المليئة بالمشاعر النبيلة والجياشة بحب الوطن والالتفاف حول قيادته لتمرير خطاباتهم الايديولوجية المضللة التي تسعى لنشر وعي مزيف كدعوة الناس الى الجهاد العبثي الذي يصطدم مع مفهوم الجهاد الحق والأصيل في الإسلام بل يناقضه ويلغي وظيفته الأساسية سعيا إلى استقطاب الشباب للزج بهم في صراعات وحروب دينية والترويج للطائفية والمذهبية ونظريات المؤامرة.

أجل! إننا في مجتمع مسالم ودولة تنادي بالسلم العالمي لكن الحرب التي نخوضها في اليمن هي دفاع عن أمننا واستقرارنا وحماية لمكتسباتنا وقد كان أجدادنا يذهبون لقتل الذئب في وجاره ولا ينتظرون حتى يأتي إليهم. لهذا نحب أن ننبه إلى الحرب النفسية التي تزدهر في مثل هذه الأوقات والتي بدأت بها قنوات مشبوهة وبعض وسائل التواصل الاجتماعي وكلها تهدف للنيل من صمود الإماراتيين ورباطة جأشهم وتوادهم وتراحمهم كأعضاء الجسد الواحد.