الأحد 20 سبتمبر 2015 / 14:55

راشد بن محمد الذي عرفته

تمرّ على الإنسان مشاهد ومواقف تكاد تفطر قلبه وتحدث أثراً عميقاً في نفسه لا يكاد ينساه، ومن أصعب اللحظات التي مرّت عليّ في حياتي، مشهد الشيخ حمدان بن محمد بن راشد وأخيه الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد وهما يواريان أخاهما الشيخ راشد الثرى في مقبرة أم هرير مساء أمس؛ لحظة فطرت القلوب واستجلبت آلاف الدعوات بأن ينزل الله عليهما الصبر ويلهمهم السلوان ويربط على قلب والديهما وينزل الشيخ راشد منزلاً مباركاً واسعاً ويتقبله عنده في جنات النعيم.

شخصياً، كانت تلك من أصعب المواقف التي عشتها حتى الآن، بسبب قربي من الأشقاء الثلاثة ومعرفتي بمدى ارتباطهم ببعضهم بعض، وروح الصداقة الحقيقية التي تجمعهم والتي حرص الشيخ محمد على غرسها فيهم منذ صغرهم.

تذكرت أثناء وقوفي في مقبرة أم هرير سفري معهم قبل سنوات طويلة حين كلفني الشيخ محمد بمرافقتهم لإحدى الجامعات البريطانية لحضور مجموعة من الدورات التدريبية القيادية. تذكرت مواقف جمعتهم هناك، ورحلات ودورات وجلسات ضمتهم، وقد غيرت تلك الرحلة الكثير فيّ، قبل أن تغير فيهم، عرفت في تلك الرحلة أن هدف الشيخ محمد من رحلتهم تلك، لم يكن التدريب فحسب، ولكن غرس روح أخوية حقيقية وصداقة أبدية لن تفت فيها الحوادث ولن تتغير مع الأيام.

تذكرت أثناء وقوفي في مقبرة أم هرير وسط جموع تذكر الله وتدعو للشيخ راشد إطلاق مؤسسة دبي للعطاء، ونشاطهم الكبير في دعم المشروع، تذكرت الشيخ راشد على الأخص وحماسه للمشروع وطلبه أن يكون هذا المشروع كبيراً بحجم طموح أبيه، وحثه بقية إخوانه وأخواته على المشاركة والسفر لدعم المشروع، ومساهماته الشخصية في إطلاقه؛ تذكرت ذلك ودعوت للشيخ راشد أن يكون ملايين الأطفال الذي استفادوا من دبي للعطاء في ميزان حسناته وحسنات إخوانه وحسنات أبيهم الذي أخرج للإمارات رجالاً سيماهم التواضع وشهادتهم حب الناس وطموحهم خدمة الإنسان أينما كان.

تذكرت وأنا أشاهد توديع الشيخ راشد سفري معه إلى سويسرا لمقر الفيفا لمتابعة بعض الأعمال وحضور بعض الاجتماعات هناك؛ شخصية قوية، وذكاء حاد، وطموح كبير كطموح جده راشد وعشق للرياضة والفروسية كحب أبيه للخيل وللفوز، وقد زادت تلك الرحلة قربي من الشيخ راشد، وكشفت لي عن شخصية قوية جداً كان يخفيها التواضع الذي يتصف به جميع آل مكتوم، شخصية محبة للغير وللخير وللحياة ومنطلقة بكل طموح نحو الأمام. تذكرت تلك الرحلة أثناء الوداع ودعوت الله أن يصبر صديقه وأخاه ومرافقه منذ الصغر الأخ سلطان السبوسي الذي عرفه وأحبه وكان معه منذ صغره.

عند وقوفي في اللحظات الأخيرة لوداع الشيخ راشد في مقبرة أم هرير دعوت من كل قلبي أن يواسي الله قلب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويملأه سلواناً ويفيض عليه صبراً، وهو الأب الكريم الرحيم الذي فقد فلذة كبده والذي رأينا حبه وعطفه ليس فقط على أبنائه ولكن على شعب الإمارات وفاضت محبته وقلبه المرهف ليغيث الملهوف من الشعوب في كافة بقاع الأرض. أحسن الله عزاءك في راشد أيها الشيخ العظيم، أحسن الله عزاءك في فلذة كبدك، وفي ثمرة فؤادك، أحسن الله عزاءك أيها القلب الكبير والشاعر العظيم، أيها الأب الرحيم، أيها الفارس النبيل، أحسن الله عزاءك في راشد، وأبناء الإمارات اليوم كلهم راشد.

تخيلت في اللحظات الأخيرة لوداع الشيخ راشد وأنا أقف وسط الحشود في مقبرة أم هرير قلب أم راشد الشيخة هند بنت مكتوم، أم الشيوخ، وأم العطاء وصاحبة الأيادي البيضاء الخفية، صاحبة القلب المرهف التي لا تدع خيراً، إلا سبقت به الرجال وسابقت به الدنيا وأخفت أكثر مما تعلن وأعطت أكثر مما يطلب منها.

ليس من كلمات أو عبارات يمكن أن نعزي فيها قلب أم فقدت وليدها وحبيبها وحشاشة فؤادها. ليس من كلمات سوى الدعاء للشيخ راشد بالفردوس الأعلى من الجنة ودعائنا لأمه أن يربط الله على قلبها ويفيض عليه سكينة من عنده ويثيبها خير الثواب ويرفع درجتها في الدنيا والآخرة.