السبت 26 سبتمبر 2015 / 21:04

أسباب أخرى للموت

فجأة مات صديقي الشاعر محمود مغربي، عرفت الخبر بالصدفة، محمود الذي كان يهاتفني قبلها بأسبوع ليسأل عني أصيب بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم، أدى إلى نزيف في المخ، ورحل حتى قبل أن يصل إلى المستشفى.

قبله بقليل سقط الروائي جمال الغيطاني في غيبوبة، وكل المؤشرات تقول إنه لن يعود منها، وقبله الروائي محمد البساطي، والروائي إبراهيم أصلان، والروائي خيري شلبي، وصديقي الشاعر أسامة الدناصوري. أعمار متفاوتة، وأسباب متعددة للموت.

وهذا المقال ليس للرثاء، ولا لبحث أسباب الموت، فالفكرة التي تسيطر عليَّ أنه هنا في بلادنا لا أحد يتذكرك بعد أن تذهب، تتحول إلى جُمل عابرة في أحاديث الأصدقاء، وربما يتذكرك أحدهم بـ"بوست" أو بنشر صورة لك على فيسبوك.

صحيح أنهم أقاموا جائزة باسم الراحل هاني درويش، وأنشأ الشاعر محمد أبوزيد موقعاً خاصاً يضم كل أعمال الدناصوري وما كُتب عنه، إلا أن المسألة ما زالت قاصرة. محمد البساطي الذي كُتبت فيه مئات الدراسات، والذي ترك للمكتبة العربية عشرات الأعمال، بعضها يُعدُّ من عيون الأدب، ليس له ذِكر تقريباً، هؤلاء الذين كانوا يملؤون الدنيا بحضورهم وبكتابتهم يواجهون خطر الاندثار.

منذ سنوات انتبهنا في "أخبار الأدب" إلى تلك الظاهرة، وقررنا أن نستعيد بعض الكتاب الكبار، الذين لا تعرف عنهم الأجيال الجديدة شيئاً، وكانت البداية بسعد مكاوي، الأديب العظيم، صاحب "السائرون نياماً"، و"الرجل والطريق"، و"الكرباج"، والعدد المهول من المجموعات القصصية والمسرحيات، وأشركنا بعض المؤسسات في الأمر، كنا معنيين لمدة شهر بتسليط الضوء على أعماله، نشرنا ملفاً كاملاً عنه، وأقمنا ندوتين، إحداهما في "ساقية الصاوي"، والأخرى في "ورشة الزيتون"، صحيح أن قليلين من حضروا الندوتين إلا أن صداهما الإعلامي كان كبيراً، كانت خطوة نتمنى أن تستمر، وأن تصبح تقليداً.

في الأغلب حينما يُغيِّبك الموت لن يتذكرك سوى أصدقائك لو كنت محظوظاً بأصدقاء يحبونك فعلاً، أو أبناؤك، الإنتاج ليس له علاقة بالأمر، وهناك عشرات النماذج الكبرى التي رحلت بدون أن يلتفت إليها أحد، ليست هناك طريقة معينة في الحفاظ على تراث الراحلين، وجعله متاحاً طوال الوقت، واستعادة أسمائهم، باعتبارها رموزاً وواجهات حضارية للدولة، الأمر يتعلق طوال الوقت بمبادرات فردية، كما كان يفعل أحمد مجاهد، على سبيل المثال، بطبع الأعمال الكاملة للكتاب الكبار، في الهيئة العامة لقصور الثقافة.

يحتاج الأمر إلى نوع من التخطيط في استعادة كتابنا، لا بد من تخصيص شهر كامل للاحتفاء بأحد الراحلين، جنباً إلى جنب مع الأنشطة الأخرى، وطبع أهم أعماله، وإطلاق اسمه على أحد الشوارع المهمة، لا بد أن تتضافر مؤسسات الثقافة الرسمية، والجامعات، مع المؤسسات والمكتبات الخاصة في إعادة تعريف الأجيال الجديدة بنتاج هؤلاء، فليس من المعقول أن يتحول الاحتفال بأحد هؤلاء إلى مجرد سطور تُكتب عنه في مواقع التواصل الاجتماعي. لم يمض أحدهم حياته هدراً، ولهذا لا يجوز أن نساهم نحن في مزيد من ذلك الإهدار.

وأعرف أن وزير الثقافة الجديد حلمي النمنم، وهو أحد المخلصين للعمل الثقافي، وأفنى حياته في مواجهة التطرف والمتطرفين، والدفاع عن الثقافة الوطنية، لن يتردد في دعم مبادرة لاستعادة هؤلاء الكتاب، بشكل يليق بهم، وبما قدموه إلى الإنسانية.