الأربعاء 30 سبتمبر 2015 / 01:08

اقتصاد التحدي

في أروقة مركز دبي المالي العالمي دارت بيني وبين مجموعة من الصحفيين والخبراء والمستثمرين حوارات عابرة ومركزة لطالما تدور في هذا الصرح المفعم بالحركة والحياة ، فهو البوابة إلى فرص وفيرة وغير محدودة في منطقتنا وما جاورها. شؤون وشجون عديدة وأفكار ملهمة تحفزها هذه الحوارات ، فكلما ازددنا اطلاعاً وقرباً من أوساط صنع القرار الاقتصادي والإستثماري ازددنا فضولاً وتساؤلاً.

ما أثار انتباهي أثناء هذه الحوارات هي نبرة الحذر وعدم وضوح الرؤية التي تسود في أوساط المجتمع الاقتصادي، فكثير من التساؤلات تثار حول مدى تأثير انخفاض أسعار النفط وبطء وتيرة التبادل التجاري العالمي على اقتصاد دولة الإمارات ومشاريعها الطموحة، وهل ستستمرالإمارات بمكانتها كمحط لأنظار من يرغب باقتناص فرص النمو في الشرق الأوسط وأفريقيا مع ارتفاع تكاليف المعيشة وممارسة الأعمال؟ وما إذا كان الإنفتاح المرتقب في إيران مفيداً أو مضراً لهذه المكانة المرموقة؟ وماذا عن الضريبة المقترحة وآثارها؟ تساؤلات مشروعة وملحة لمجتمع أعمال يرتكز نمط تفكيره على المبدأين الدافعين المعروفين (الخوف والطمع).

منذ بدايات اهتماماتي المبكرة بالشأن الاقتصادي وأنا أترقب الصفحات الأولى للصحف متوقعاً وواثقاً بأنني سأقرأ كل صباح عن مفاجأة جديدة متجلية على شكل انجاز أو مبادرة أو استراتجيية جديدة أو مشروع عملاق أو مرتبة متقدمة احتلتها دولة الإمارات العربية المتحدة وشهد بها العالم، هذه الروح لم تجعلني أشاطر الحذرين والخائفين والمتسائلين ما يشعرون به، لذا تساءلت في طريق عودتي إلى مكتبي: لماذا؟

إنها (الثقة) التي نشعر بها تجاه قيادتنا التي "تملك أيامها فتهواها الأماني" كما عبرعن ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله في إحدى قصائده، لم تأت هذه الثقة من فراغ أو من عواطف جوفاء، بل إنها تستند إلى وقائع وأسس ترسخت في وجدان أبناء الإمارات ومن عرفها وعاشها وتأمل مسيرتها القصيرة في عمرالزمن والحافلة بكل ما هو مبهر وفير الثمار.

في أحد لقاءاتي مع سعادة جعة الماجد رجل الأعمال العصامي المعروف قال لي عندما "كنا في الستينات نصدر الأحجار الكريمة والسلع الأخرى إلى أوروبا وغيرها، كان تجار سويسرا مثلاً يتعاملون معنا بلا مستندات أوعقود، من منطلق ثقتهم المطلقة في تجار دبي". تلك الثقة كما أعتقد كانت وستبقى السند الأساسي الذي جعل من الإمارات مركزاً لاستقطاب رجال الأعمال من أقاصي المعمورة والذين عرفوا أن هذه الدولة تقول فتفعل وتعد فتنجز.

قيادتنا ترى المستقبل أمامها حاضراً، وسياستنا الاقتصادية مبنية على استشراف المتغيرات وصنع المستقبل لا على مبدأ ردات الفعل، عندما كان الإقتصاد العالمي يمر بأخطر أزمة في تاريخه المعاصر في العام 2008-2009، لم نكن بمنأى عن تلك الظروف حيث تأثر قطاعنا العقاري والمالي والسياحي وعم التشاؤم وانخفضت ثقة المستثمرين، وفي غمرة هذا المناخ السلبي يطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد خطته الطموحة لأن تكون دبي المحطة القادمة لمعرض اكسبو العالمي 2020، ورغم الحملة الإعلامية الشرسة والمنافسة القوية وبعد أربع سنوات من العمل المضني يجمع العالم بشكل غير مسبوق أن دبي هي الخيار الافضل، ويتحقق الحلم.

في العامين الماضيين أطلقت الإمارات عدداً من والمبادرات والبرامج الطموحة التي من شأنها تعزيز هذه الثقة ومن شأن من نظر إليها الإيمان ببعد نظر هذه القيادة الديناميكية الحريصة على أن تكون الإمارات ضمن أفضل دول العالم في 2021 ، فمن برنامج الإمارات الفضائي ومسبار الأمل إلى استراتيجية الإبتكار الرامية إلى أن تصبح دولتنا لوحة صنع المستقبل للمنطقة مرورا بمشاريع الطاقة المتجددة وأول قانون اقليمي لشراكة القطاعين العام والخاص، ترسم الإمارات نموذجها الجديد الذي سيساعدها على التكيف مع عالم متعدد التحديات والأقطاب لا يصمد فيه إلا الأكثر ابتكارا والأقدرعلى التغييروالتغير.

قيادتنا الرشيدة أبعد ما تكون عن ثقافة الإنكار والتبرير والإنطواء، فالشفافية والتواصل والمشاركة في صنع القراروبث الروح الايجابية سمة متأصلة وقيمة من قيم الإمارات المميزة لنموذجها الفريد، هذه الشفافية والمعرفة بما ترنو إليه الدولة هي الأساس والممكن الرئيس لقطاعنا الخاص ولكل من استثمر في الإمارات لبناء نموذجه واستراتيجيته الجديدة والمتكيفة مع متطلبات المرحلة ، فالقطاع الخاص لن يغدو مقاولاً ومزوداً أو مقدماً للخدمات فقط بل شريكاً كامل الشراكة في المشاريع الكبرى، ولن يعود متبعاً ومكرراً بل مبدعاً ومبتكراً، ولن يستمر إلا من يعرف كيف يفتح أسواقاً جديدة لمنتجاته وخدماته ومشاريعه مستفيداً من التسهيلات اللوجستية والعلاقات المميزة التي بنتها الإمارت حول العالم مقرونة بسمعة توازي أعلى معايير الثقة والجودة والإتقان.

تكمن النجاحات من المنظور الإماراتي في تحويل التحديات إلى فرص، وكل ما يطرح من قبل المتشككين والمتشائمين مروجي الإحباط من توقعات وتوجهات اقليمية وعالمية يكمن النظرإليه كفرص لتعزيز دور القطاع الخاص والشركات العالمية التي اختارت دولتنا لعملياتها الاقليمية ، عندما صرح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي رعاه الله في كلمت أمام القمة الحكومية الأخيرة "بأننا (سنحتفل) بآخر شحنة نفط سنصدرها.." لم يكن ذلك استعراضاً أو مبالغة، بل إنه دليل على بعد النظر وإشارة تسعى إلى تعزيز الثقة بأن نموذج الإمارات مرن ومتنوع وصامد ومصر على الأفضل، التحدي إذن يكمن في أن نجاري ذلك الطموح وتلك الروح الإيجابية لا أن ننتظر حتى يفوتنا القطار أو أن نعيش في ظلمة الشك والتشاؤم.