الجمعة 2 أكتوبر 2015 / 20:40

حكمة الوزير دندان

في ليالٍ شتوية خلت، كان رفيقي في أيام فراغ ذهني انقضت، كتاب ألف ليلة وليلة، في قراءة ثانية أو ربما تكون ثالثة، والغرض هو البحث عن بذور أفكار لقصص الأطفال، فبعض الباحثين العرب يزعم أن بذور أدب الطفل العربي بدأت من كتاب ألف ليلة وليلة. أقول موقنا أن ما وجدته لم يكن بقدر الجهد المبذول في قراءة الكتاب الموسوعي. غير أن ثمة عبارة استوقفتني للوزير دندان في حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان: "والله إن قلبي نافر من هذا الزاهد لأني ما عرفت للمتنطعيـن فـي الدين غير المفاسـد".

من خلق البرية وسواها، ينظر إلى قلوبها، وبقدر صفاء القلوب يكون الإيمان، التكلف في إظهار الدين في الملبس أو الهيئة الخارجية هو نوع من التنطع، وفيه خروج على أعراف المجتمع التي تستقر عرفا متساوقا مع الدين، متناغما مع الزمن.

قراءة فاحصة للواقع الذي نعيشه، يثبت – للمفارقة - أن التنطع في الدين لا التساهل فيه هو أس مصائب الدين، وهو بلاء المسلمين. ولذا كررها المصطفى صلى الله عليه وسلم ثلاثا: "هلك المتنطعون" وأسباب الهلاك كثيرة، لكن المتنطع في الدين يقود غيره إلى الهلاك. فالتنطع متعدد المظاهر والأشكال لكن نتيجته واحدة. إنها الهلاك والفساد.

من مظاهر التنطع وأشكاله الغلو في العبادات، والشدة في المعاملات، الانعزال عن المجتمع وتكفيره، والانكباب على الشيخ وتقديسه، الثورة الدائمة على كل جديد، والتقيد الحرفي بكل نص قديم، لزوم أحادية الرأي في كل حوار، ورفض الرأي الآخر بإصرار.

ومن التنطع كذلك التمسك برأي واجتهاد فقهي من قرون ماضية، وإغلاق لباب الاجتهاد في زمن تزايدت فيه حاجات الناس واختلفت طرائق عيشهم وسهل – في المقابل - الوصول إلى النصوص والأحكام.

التنطع تطرف، والتطرف بيئة خصبة للإرهاب. إنه السحابة السوداء التي تحمل أمطاراً من دماء، إنه المعول الذي يشق طريقاً لسيل الدماء القادم، التطرف يبدأ فكرا ثم يصبح سلوكاً وممارسة يومية، ثم يكون غوغاء.

ثمرة التطرف مُرَّة، ففيه إفساد للمجتمع وإهلاك لأهله. ثمرة التطرف مُرَّة ومن عجب أن يستلذها المتنطعون المتطرفون!! يحار العقل في شباب في مقتبل العمر يهربون من الحياة ويسعون للموت من أجل فكرة مضللة. يتشهون الدماء الحرام، ويحرمون على أنفسهم الطيبات. استبدلوا بيسر الدين عسرا، وببياض المحجة البيضاء سواداً.

أولئك الذين بايعوا البغدادي على السمع والطاعة في المنشط والمكره، فعلوا ما لم يفعله اللصوص وقطاع الطرق والقتلة المأجورون. فأن تجمع مع قتل ذوي القرابة غدراً وتصور ذلك وتفاخر به متقرباً به إلى مولاك البغدادي، فلك البشرى بالقرب منه، ولكما البشرى ثلاثاً، فأنت هالك، هالك، هالك.