الإثنين 5 أكتوبر 2015 / 19:53

لعنة أوسلو ليست قدراً

الذين أحسنوا الظن بنوايا رئيس السلطة الفلسطينية خاب ظنهم في نيويورك، عندما وقف محمود عباس على منبر الأمم المتحدة ليؤكد ما تعهد به لإسرائيل "تصعيد في الخطاب ولا تغيير في القرارات".

لم يفجر محمود عباس قنبلته الموعودة في الأمم المتحدة، ولم يخرج عن النص التسووي ليعلن موت اتفاق أوسلو المشؤوم أو حل السلطة القائمة بمهام "الإدارة المدنية" في الضفة.

ولم ينفذ عباس تهديده المتكرر بالاستقالة من رئاسة السلطة التي يقول في مجالسه إنها أتعبته.. ويبدو أن الرجل أدمن على هذا التعب وأحبه.

جاء خطاب "السيد الرئيس" بليغاً في لغته وضعيفاً في محتواه وملتزماً بنهج تقديس "عملية السلام" أو "سلام العملية".. أعني عملية الحفاظ على حالة الجمود المفيدة لإسرائيل وسلطة أوسلو في الضفة وسلطة الانقلاب الحمساوي في غزة.

لكن "السيد الرئيس" الذي أحسن الظن بتقديرات مساعديه وقادة أجهزته الأمنية حول "هدوء الشارع الفلسطيني" خاب ظنه في الضفه، عندما رد الفلسطينيون على موقفه بالخروج إلى الشوارع وتحدي حواجز الاحتلال وتصفية مستوطنين ومتطرفين يهود في القدس المحتلة.

ربما يكون مبكراً القول إن الانتفاضة التي أكد "سيادته" أنه لا يريدها، قد بدأت بالفعل، لكن ما يجري في نابلس ورام الله وطولكرم والقدس منذ ثلاثة أيام يشير إلى أن الانتفاضة الثالثة قريبة جداً، ليس بدافع الضغط لتحريك المسار السياسي، ولكن لنسف الواقع الحالي برمته وتأكيد الخلاص من لعنة أوسلو وتبعاتها وانهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال، والمضي في مواجهة الوجود الاحتلالي بكل الوسائل المتاحة.. وهي كثيرة.

ولعل ما يميز الانتفاضة الثالثة أنها ستكون انتفاضة شعبية لا تتحكم بمسارها الفصائل والمنظمات التي مل الشارع الفلسطيني من صراعاتها البينية، كما أنها لن تكون مطية لأي طرف يسعى إلى استثمارها لتحسين شروطه ومواقعه، وهذا بالضبط ما تخشاه اسرائيل وتخشاه سلطتا الحكم في رام الله وغزة، لأن اسرائيل تريد للوضع القائم أن يستمر إلى الأبد، ولأن السلطة في رام الله تريد الحفاظ على امتيازاتها التي تستظل باتفاق أوسلو ولأن السلطة في غزة تريد إقامة الإمارة بتحالفات ترفع كذبا شعار المقاومة والصمود.

تبدو الأطراف الثلاثة متضررة من اندلاع انتفاضة شعبية جديدة، لذا تعمل على تنفيس الغضب الشعبي، وتسعى إلى التهدئة.

في المحيط العربي لا يختلف الوضع كثيراً، ولا تخفي العواصم العربية خشيتها من اندلاع انتفاضة فلسطينية تعيد التركيز على القضية الأقدس، بعيداً عن الحروب الغبية بين القوى الظلامية المرعية أمريكياً والنظم القمعية المدعومة أمريكياً أو روسياً أو إيرانياً.

لكن كل هذه الخشية وكل هذا الرفض لا يستطيع لجم الحراك الشعبي الحالي في الشارع الفلسطيني، لأنه حراك تلقائي لم يتفجر بقرار ولا يمكن أن يخمد وأن يتوقف بقرار.

قد تكون الانتفاضة بدأت بالفعل وقد تنطلق اليوم أو غداً أو بعد غد أو الشهر المقبل، لكن المواعيد ليست مقدسة، وهي بالتأكيد ليست في أهمية النتائج، وأولها نعي اتفاق أوسلو والتأكيد على أنه ليس قدراً فلسطينياً.