الثلاثاء 13 أكتوبر 2015 / 18:19

بلا مخيلة يواصلون جلوسهم

لم يستغرق الأمر أكثر من سبعة أيام. السياسة التي اتكأ عليها اليمين الاسرائيلي القادمة من أفكار اليسار لم تصمد كما حلم أصحابها والذين بشروا بها وهم يمسكون الناخبين اليهود من ياقاتهم إلى صناديق للاقتراع.

"فتيان التلال" أو أطفال آرييل شارون، "أريك" الذين أطلقهم في تلال الضفة الغربية وعلى طرقات القرى وتحت نوافذ الفلسطينيين، "كي الوعي الفلسطيني" الذي ابتهج به موفاز وأطلقه كنظرية أمنية تبناها "يعالون"، "بوغي"، "السلام الاقتصادي" نظرية "نتانياهو"، "بيبي"، القائمة على تسهيلات اقتصادية ستنعكس على إنعاش الإنتاج في إسرائيل من جهة وخلق مكتسبات وهمية للفلسطينيين وتبديد فكرة الاستقلال الوطني لديهم. بحيث يتحول الفلسطينيون، في مرحلة ما، إلى مصدري الأيدي العاملة الرخيصة وعبيد رأس المال الإسرائيلي وسوق الاستهلاك في نفس الوقت. تماماً كأي حزام فقر معزول عن المركز وغير قادر على الحياة والتنفس بدونه.

كل هذا وسواه والذي استغرق العمل به أكثر من عقد ونصف من السنوات لم يستغرق تبديده أكثر من أسبوع.

وبينما كان "الشاباك" يراقب هلهلة مؤسسات السلطة الفلسطينية وتعميق الانقسام بين الضفة وغزة، ومسلسل "المصالحة"، بينما كان يبعث بتقاريره المبنية على تخبط برامج الأحزاب والقوى والفعاليات، ومأزق "حماس" الذي تحاول إغراق المشروع الوطني فيه لتتمكن من التنفس، وتعثر اليسار الفصائلي والهوة التي تتسع بين قيادة منظمة التحرير والشارع الفلسطيني، هوّة فاقمتها صراعات الرئاسة وحاشيتها وابتكار الخصومات وانشغالها بنصب المكائد والمناورات الساذجة، بينما كان كل ذلك يحدث ويتم تحليله ودراسته والوصول إلى مخرجاته، كان تلاميذ وتلميذات المدارس وطالبات وطلاب الجامعات والكليات يتجهون نحو حواجز الاحتلال وأسيجة المستوطنات والجدار في تمرين طويل وشاق، كانوا يتحركون خارج تقارير "الشاباك" وخارج حسابات السياسة، وخارج مخيلة المستشارين.

لقد حاولوا الوصول إلى المقاطعة التي بدا الشارع الموصل إليها من "دوار المنارة" محرماً، حاولوا إيصال أصواتهم إلى سكان "المقاطعة"، للرئيس والمستشارين الذين يحاصرونه، المستشارين الذين لا يغادرون المقاطعة ولا يتجولون في الشوارع ولا يصلون إلى مناطق سي، ولا يصعدون في باصات استراحة أريحا في طريقهم إلى الجسر، ولا يهبطون في ساحة عبدو ليبحثوا عن حقائبهم وأمتعتهم، المستشارين الذين لا يحتجون ولا يعرفون، ويواصلون جلوسهم الخالد في ممرات المقاطعة التي سيمر منها الرئيس إلى مكتبه.

من جلوسهم ، الخالد فعلاً، لم يشاهدوا التلميذات والتلاميذ وهم يعبرون في الصباحات إلى مدارسهم على أدراج القدس وفي أزقتها، ولم ينتبهوا للأمهات والجدات المبكرات في طريقهن من القرى إلى أسواق الخضار في المدن، لم يفكروا بالعمال الذين يصعدون في "فوردات" الفجر من مخيمات "بلاطة" و"نور شمس" و"جنين" و"الجلزون" و"الأمعري" و"قلنديا" و"شعفاط" وعايدة والعزة" و"الدهيشة" و"العروب" و "الفوار"، نحو الداخل دون "تصاريح" ودون أمل، يوقظهم جوع أولادهم وبناتهم وقلق زوجاتهم.

بلا مخيلة وبلا معرفة وبلا رغبة في المعرفة يواصلون جلوسهم هناك منذ الأبد. بينما التلميذات والتلاميذ يقومون بالعمل كاملاً، دون بلاغة ودون رطانة وبمخيلة كاملة.

لم يستغرق الأمر أكثر من اسبوع لتحريك ذاكرة الإسرائيليين التي استرخت طويلاً، ولرج مخيلتهم الانتقائية المريضة، كان كافياً ليتذكر الإسرائيليون احتلالهم لبلاد غيرهم، وليفقدوا وهم الأمن الذي جرى تسويقه عبر برامج اليمين العنصري، لم تنجح نظرية "الصدمة" ولم يتراجع الفلسطينيون رغم وحشية وفاشية الجيش والمستوطنين، لم يتراجعوا رغم انهم وحدهم مكشوفين على مرمى القناصين.

ليس واضحاً إلى أين تتجه الأمور ولكن يمكن القول بثقة أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه، سواء داخل المؤسسة الفلسطينية وعلاقتها مع الشارع، أو على الأرض في المواجهة التي انفتحت على مداها مع الاحتلال والاستيطان.