الخميس 15 أكتوبر 2015 / 10:43

في الشهيد نعزّي أنفسنا أولاً

إن الناس الذين نحبهم عندما يموتون، يموت فينا من حب الحياة من بعدهم غصن. أما شهيد الوطن إذا مات، أحيا وأوقد في قلوب كل المواطنين ناراً من الحب والغيرة على الوطن لا تنظفئ.

عندما يموت لنا من نعرفه جيداً، نقول عنه بعد رحيله أجمل ما عرفناه عنه، أما الشهيد إذا مات، يصبح لا معرّفاً، إلا أنه من مات من أجل أن يعيش أبناؤنا حياة أفضل، فنصبح ومن يخلفنا مدينين له للأبد أفراداً وجماعات. وهكذا يزرع الشهيد فينا ديَناً لا يسدد إلا بمثله.

عندما نحزن لوفاة عزيز، نجد العزاء في مواساة الآخرين لنا، أما الشهيد إذا مات، فإننا نعزي أنفسنا فيه أولاً.

يستنكر البعض أن يفرح أهل الشهيد ببطولته، ويعدّون ذلك تكلفاً منهم، وهم مخظئون تماماً. لا أحد يحب الموت، لا لنفسه ولا من يحب، لكن من منا –باعتبار أنه سيذوق الموت لا محالة- لا يتمنى لو أن رحيله يكون ذا قيمة عظيمة، أو مجد خالد، من منا لم يفكر أو يتساءل عما سيقال عنه بعد رحيله؟

أن نموت شهداء شيء لا يمكن إلا أن نتمناه، حتى لو أجمعنا أن الموت شيء لا نتمناه ما دام الأمل يعتمر قلوبنا. إن الجندي الذي يحارب من أجل وطنه وأحبابه لا يذهب للموت، إنه يذهب للمجد، فإن أصيب أو مات تخلّدت أمجاده وصارت دَيناً على كل من أنقذ موته حياتهم ورخاءهم. هذا الدين يحملنا مسؤولية ما هو أبعد من سداده، وهو أن نحافظ على كل ما ضحى الشهيد من أجله، بأرواحنا وعملنا وتفكيرنا.

يقدم الشهيد حين يموت تضحية عظيمة لا تقاس ولا تقدر بثمن، فهو حينما يضع حياته على المحك من أجل وطنه وأمن أبناء وطنه، فإنه يعير لباس الأمل الذي يجعل البشر متمسكين بالحياة لأحب من وما يملك، هويته وولاءه، ومن ثم خوفه على أحبابه. إن الشهيد يزرع فينا إدراك فضل ما نحن فيه، وإدراك من يجب أن ينسب إليه في ذلك. ليس النفط أو الاقتصاد الناجح ما يجعلنا سعداء، إنه الأمن والأمان الذي ننعم به، لأن أحداً في زاوية ما منيرة أو مظلمة، قريبا أو بعيدا، سهر وتعب من أجل ضمان أن نكون آمنين.

لا أتمنى أن أموت، لكن لأنني سأموت دون شك، فإنني أسأل الله حينما تحين اللحظة التي لا أنتظرها، أن يقسم لي من مجد الشهداء الذين فارقونا نصيباً، وأن يعينني على العرفان لتضحيتهم ما حييت.