الجمعة 31 مايو 2013 / 19:57

سرطان في الروح

قد يرى البعض عنوان هذا المقال صادماً أو غريباً إلى حدٍ ما، وقد يراه البعض مخيفاً أو قاسياً، ولربما وجده البعض شيقٌاً مثيراً للجدل والتساؤل، بل وقد يجده البعض تطاولاً أو حتى تعدياً على العلم والدين، ولكن ومن وجهة نظري أجده مجرد "حقيقة" بحتة تستحق تسليط الضوء عليها، فالسرطان و"الحافظ الله" كما تعلمون يعد من الأمراض الخبيثة، التي يصعب علاجها، إلا بمشيئة الله عز وجل طبعاً، ولكن تبقى الحقيقة أنه مرض جسدي خطير يصيب أحد أعضاء الجسم، ثم يبدأ بالزحف المميت أو بالتضخم القاتل إلى أن تفلت زمام أمور الجسد تم

ومن هنا ارتأيت وجه الشبه في وجود سرطان من نوع آخر غير عضوي، يصيب "الروح"، حيث يتميز بأنه غير مرئي وغير ملموس ولا محسوس، ومع ذلك يتمتع بجميع الصفات السرطانية الخبيثة من ناحية التضخم والانتشار، وأيضاً يقوم بجميع أساليب الهجوم ذاتها، ولربما كان أشد ضراوة وقسوة.

وتتراوح قوة الفتك من "روحٍ" إلى أخرى، كي تنتهي بنفس الخسائر المأساوية إذا ما أهمل علاجه، سواء كان بالتسبب في أمراض عضوية مستعصية، أم بالأمراض النفسية التي قد تؤدي إلى الانتحار و"العياذ بالله" بعد صراع طويل مع ذلك المرض "القاتل الخفي".

هذا القاتل بات يخيفني شخصياً كلما بدأت في ارتشاف فنجان الشاي الصباحي وطفقت أقلّب بفتور روتيني صفحات الجريدة اليومية، لأجده يتسلل إلى زوايا عينيّ في سطورٍ تفضح مع الشرح كيف أصبح يتقن سلسلة أعماله الهجومية، والتي أصبحت تطول جميع فئات المجتمع بمختلف الأعمار والأديان، بل وفي بيوتٍ تتسم بالبساطة والهدوء والدين والعلم.

الشيء الذي جعلني أرى، على حد علمي بالطبع، أن هذه الصفات الطيبة قادرة أن تحمي أحد أفراد الأسرة من رمي نفسه من على الطابق المذكور في أعلى البناية، أو من شنق نفسه بحبل مربوط في سقف الغرفة، أو من قطع الوريد أو الشريان، أو العديد من الوسائل الأخرى التي سوف تجرح عيون القارئ بلا شك.

و"الحمد لله" في المجتمع الإماراتي ليست تلك الأحداث كثيرة، لكن بالرغم من أنها لا تعتبر ظاهرة ولم تمتد براثنها كثيراً كي تعد قضية خطيرة، إلا أنني دائماً أرى أن نعالج الأمور قبل أن تتفاقم وتصبح ظاهرة أو قضية مجتمعية، يصعب حلها والحد من تفاقمها.

الغريب أنه برغم تلك الآلام الطاعنة، التي تعمل كمؤشر ينبه "الروح" بأنها في خطر موشك، إلا أن البعض يقوم بتجاهل هذه الارتدادات الخطيرة، وكأنه لا يسمع نداءات الاستغاثة الداخلية والمنبعثة من روحه شخصياً.

بل أحياناً تبدأ "روح" البعض في بث إشارات وموجات خارجية، تنعكس على شخصية الفرد وسلوكه واهتماماته ومظهره الخارجي، وبالتالي يقوم جميع من حوله بملاحظتها ثم السكوت على مضض، بعد أن يتمتمون بعبارات مثل "فلان مكتئب"، أو "فلانة تعبانة نفسياً"، وهكذا إلى أن يتراكم الألم في فوهة الروح كالبركان، دون أي محاولة مجدية في العلاج، بينما يستمر الدق على ناقوس الموت.

أما بالنسبة للمراكز أو العيادات والمستشفيات النفسية التي تنتشر من حولنا في البلاد، فأنا لن أتطرق إلى تفاصيل تصف مدى تطورها أو مدى جدارتها من عدمه، ولن أقوم بالتفسير والشرح عن زيادة الوعي الفكري عند الفرد في عدم التردد باللجوء إلى هذا النوع من الدعم والعلاج النفسي، فأنا لا أعتقد أنني مؤهلة علمياً أو عملياً لألعب دور الحكم والمرشد هنا.

لكنني أحاول جاهدة كفرد في المجتمع أن أضع النقاط على الحروف، سعياً إلى إيجاد بؤرة المشكلة، والتخلص منها قبل الوصول إلى تلك المرحلة التي تستدعي الدعم الخارجي لإنقاذ الروح من موت محقق، سواء كان موتاً من الداخل أو الخارج!

إن المضحك المبكي في هذا الأمر، والذي أصبح الدمع فيه يقودنا إلى درجات الخزي العليا، هو أن جميع أنواع الأمراض الجسدية والنفسية و"النفسجسدية" يكمن علاجها في أسبابها "وداوها بالتي كانت هي الداء"، وهي الابتعاد عن السبب الرئيسي الذي خلقنا من أجله كبشر، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، وهذه حقيقة لا جدال ولا غبار عليها.

وبما أن الوعظ الديني، أصبح قضية أخرى تماماً بعيدة عن أهدافي من مقالي هذا، لذلك سأقف عند هذا الحد من الاسترسال فيما يجول بخاطري من حلول دينية، خصوصاً أنني أوجه كلامي إلى البشر بصفة عامة، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين، وها أنا ذا بعد أن أتممت ما أردت إيضاحه في وجهة نظري لهذا النوع الجديد من السرطان، وعوارضه وأسبابه وعلاجه، أود أن أسمع مقترحاتكم الشخصية، ووجهة نظركم في إيجاد دواء فعال لـ"سرطان الروح".