الإثنين 23 نوفمبر 2015 / 23:33

كيف نستعيد كتَّابنا الكبار؟!

يرحل الكتاب الكبار، القامات، العظماء، الذين صاروا علامات على الكتابة المصرية والعربية، دون أن يتذكرهم أحد. حائط جيل الستينيات يتآكل، ومعه تتآكل الكتابة المُؤسَّسَة، التي تُشبه نهراً، أمد الشباب، الذين يشكلون تفريعات صغيرة على الإكمال، بدون هذا النهر ما كان لتلك التفريعات أن تستمد طاقتها، وأن تواصل المسير، مكملة الجريان إلى ما لانهاية.

كان نجيب محفوظ يتألم بعد رحيل معظم أصدقائه. مات من يُحبهم قبله بكثير، والحياة بدون أحباب تكون قاسية، لكنه على الأقل لم يكن يفوت فرصة دون الحديث عنهم، وذكرهم، وإيصال ألمه لفقدهم، وبعده استمر الستينيون في مواصلة المشوار، لكنهم تساقطوا واحداً تلو الآخر، والمدهش أن هناك قامات منهم تكاد الحياة في مصر تكون نسيتهم، قتلت السياسة أرواحنا، وقسمتنا معسكرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنستنا الفن تقريباً، كما أنستنا من كانوا أصدقاءنا الكبار يوماً ما، يوماً كان قريباً للغاية. كنا نأتنس بأرواحهم، وكانوا يمدوننا بالأمل في الحياة، في لحظات كانت شديدة الكآبة والمأساوية، لكننا دفعناهم دفعاً إلى رفوف الذاكرة الخلفية المعتمة.

سألني أحد الأشخاص في احتفالية الجامعة الأمريكية بالروائي جمال الغيطاني عن عدم الاهتمام بالقامات الكبرى، كان لديه كل الحق، فلا ذكر تقريباً لمعظمهم. ضربت مثالاً بمحمد البساطي على وجه التحديد، هذا الشخص الذي ترك لنا أعمالاً كبرى "التاجر والنقاش"، "المقهى الزجاجي"، "الأيام الصعبة"، "بيوت وراء الأشجار"، "صخب البحيرة"، "أصوات الليل"، "ويأتي القطار"، "ليال أخرى"، "الخالدية"، "الكبار والصغار"، "حديث من الطابق الثالث"، "أحلام رجال قصار العمر"، "هذا ما كان"، "منحنى النهر"، "ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً"، "ساعة مغرب" غادر حياتنا، ومعه غادر كل ذكر له، ليس من المعقول أن نكون جميعاً كارهين له، هو الذي كُتبت عنه، في حياته، عشرات الدراسات لدرجة أننا جميعاً اتفقنا على عدم استعادته، لا أتحدث عن جهود فردية، لا أتحدث عن واجبات الصداقة التي تحتم على كل صديق أن يتذكر أحبته على صفحته الخاصة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لكنني أتحدث عن تلك الحالة التي يمكنها أن يشكلها الأصدقاء في دفع مؤسسات وزارة الثقافة والوزارات المختلفة في تذكر محمد البساطي وغيره، ذكرى ميلاد أو رحيل أحد القامات في معظم الدول يتحول إلى عيد كبير، يلتف حوله الجميع.

ليس من الجيد أن يكون الأمر مقصوراً على تسمية دورة المعرض باسم الكاتب، لا بد أن تتيح وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي أعمال هؤاء الكتاب للتلاميذ والطلاب، هذه الأعمال هي ما يمكن أن يتعرفوا من خلاله على أنفسهم وعلى وطنهم، هذه الأعمال هي ما يمكن أن يجعلهم أشخاصاً واعين بما يجري حولهم، وعلى وزارة الثقافة أن تخصص شهراً للاحتفال بكل قامة، بالمشاركة مع المكتبات ودور النشر الخاصة، تُعاد طباعة أعمال الكاتب في طبعات شعبية، يُطلق اسمه على شارع أو ميدان مهم، تُعلق صوره في الميادين، وعلى محطات الباص، وفي محطات مترو الأنفاق، تتناوله البرامج الإعلامية، تُخصَّصُ له صفحات كاملة في كبريات الصحف، لا يكون الأمر كرنفالياً فقط، ولكنه فرصة لتعريف الأجيال الجديدة بأعمال هؤلاء، وتوجيههم إلى قراءة ما يستحق، كما أن على كتَّاب السيناريو دوراً مهماً في تحويل هذه الأعمال إلى أفلام سينمائية.

قدم هؤلاء الكتاب إلى الحياة ما يستحق الحياة، ما يشفع لهم بأن نبقيهم بيننا، ألم يكونوا جزءاً منا؟ فهل نتخلى عن أفرادٍ من عائلتنا ببساطة مهما اختلفنا مع مواقفهم السياسية التي ذهبت بذهابهم؟! علينا أن نتذكر أحبتنا، الذين ألهمونا، وساعدونا على الإكمال، علينا ألا نتركهم ببساطة للنسيان.