الأربعاء 25 نوفمبر 2015 / 09:59

حرب القرم الروسية التركية

مشاري الذايدي - الشرق الأوسط

لم تكن إلا عملية وقت حتى يحدث اشتباك خطير مثل الذي جرى لمقاتلة الـ«سوخوي» الروسية الجوية، فوق أجواء الحرب السورية الملتهبة.

بوتين كان يطلق نيرانه في جو مشبع بوقود التوتر المنوع، من صراع سني شيعي رهيب إلى صراع عربي إيراني مذهل، وأخيرا، وهذا ثالثة الأثافي، التحرش بحدود حلف الناتو نفسه، الذي لم يقم أصلا إلا لمناهضة الكتلة السوفياتية الروسية سلفا.

تركيا هي جزء رئيسي من تحالف الناتو، فوق أنها معنية بالأزمة السورية بشكل مباشر، لعدة أسباب، منها حدودها الطويلة مع شمال سوريا، وتسبب الحرب السورية بإثارة التوتر المذهبي والكردي، وغير ذلك.

دخلت روسيا بصلف متفرد على خط الحرب السورية، وبعدما دخلت طلبت من الغرب ودول المنطقة اللحاق بها، وفق نظريتها، في أن هزيمة الإرهاب، وفق التعريف الروسي طبعا، هو في التحالف مع الأسد.

نحن أمام لحظة شديدة الخطورة، على مستوى العالم، ما جرى ليس مجرد اشتباك تركي - روسي، بل اشتباك مع حلف الناتو الغربي بقيادة أمريكا.

تأكيدا لذلك، استجابت قيادة الناتو لدعوة تركيا إلى عقد اجتماع عاجل لبحث التهديدات الروسية، بعد ما قالت تركيا إنه اعتداء روسي، بعد تحذيرات تركية متكررة للروس.

يبدو التاريخ مغريا بالمقارنة، ففي يوليو (تموز) 1853 اندلعت حرب القرم الشهيرة بين تركيا العثمانية وروسيا القيصرية، واستمرت هذه الحرب الشاملة زهاء ثلاث سنوات، انخرطت بها قوى غربية مع العثمانيين ضد الروس، بريطانيا العظمى وإيطاليا، مملكة سردينيا حينها، وغيرها من الغربيين، في سعي للجم الطمع الروسي بالشرق الأوسط، بحجة الامتيازات الدينية في القدس والأراضي المقدسة.

انتهت تلك الحرب بمعاهدة باريس، التي كانت بوابة كثير من التغيرات السياسية على كل الدول التي شاركت بتلك الحرب.

كان من ضمن جولات حرب القرم معركة رومانيا التي هزم فيها الجنرال التركي عمر باشا القوات القيصرية الروسية، وحين عرض الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الوساطة لإنهاء القتال بين العثمانيين وروسيا، رفض القيصر الروسي نيقولا الأول ذلك وقال: «أشعر أن يد السلطان على خدي». والآن علق بوتين على إسقاط الأتراك المقاتلة الروسية بأن «روسيا تعرضت لطعنة في الظهر».

ليس ضروريا أن يعيد التاريخ نفسه بتطابق، ولكن بعض مسببات الأزمة الثابتة، في الجغرافيا والهوية السكانية والسياسية وأيضا المصالح الاقتصادية، تجعل عودة الأزمات على مدار التاريخ أمرا متوقعا بصيغ مختلفة من حين لآخر.

ربما كانت روسيا ومعها الغرب بحاجة إلى جرس إنذار صاخب مثل هذه الحادثة، لأهمية النظر إلى المعضلة السورية بشمول كامل.