الخميس 26 نوفمبر 2015 / 18:10

"الكتاب الإسلاموي" وداعاً وإلى الأبد.. هكذا تحدّثت الكويت

لطالما لوحت دور النشر في المعارض العربية بما بات يعرف بـ "الكتاب الإسلاموي"، جانية من ورائه أرباحاً كبيرة، فهو طعم سائغ لاستقطاب القرّاء العرب الشباب، ويئست معظم دور النشر العربية من منافسته، واعترف الكثيرون ممن يشتغل بالكتب العلمية والآداب والفنون والمعارف العامة بأن للكتاب الإسلاموي سحراً لا يقاوم، إذ نجح أصحابه المتبطلون من الناشرين والكتاب من جعل بقية الكتب كاسدة، لا سوق لها.

لقد كانت هناك حروب بين "الكتاب الإسلاموي" وغيره من الكتب؛ حروب مستعرة لكنها تحدث في الخفاء وتتستر بين ردهات معارض الكتب العربية، لكن الغلبة دوما كانت لصالحه، ووحده الذي يقصد معارض الكتب هذه ويزورها في العقود الثلاثة المنصرمة في العالم العربي يدرك سحر شعارها الأخاذ وبعبعها النفاذ، بل يعرف جيداً وفوراً بأن تلك الدور المكتظة بالزبائن ليست إلا دوراً، لا موهبة لديها ولا جديد، بل عناوين تبدأ وتنتهي بكلمتين "الكتاب الإسلاموي"، وأضحت هذه الدور قادرة وبسهولة على لجم كل من تسول له نفسه من دور النشر الأخرى الدخول في صناعة الكتاب والمنافسة.

هل كانت الهزائم التي مني بها العرب سبباً في صعود "الكتاب الإسلاموي" هذا، هل الفوضى والطائفيات كانت مسوغاً لامتلاكه كل هذا البريق الساطع، ثم هل تعثر المشاريع التنموية التعليمية والثقافية هي الأخرى دفعت بالشباب للبحث عن حلول سحرية للنجاة والخلاص من الحيرة الحائرة التي تصدع في الرؤوس، فوجدوا كل الحلول في مثل هذه الكتب!

لقد كانت دور النشر الإسلاموية لها كتابها المعروفون، وعادة ما تطلقهم لينهشوا في أي كتاب جاد شقّ طريقه إلى القاريء العربي وحقق نجاحاً زاحم به "الكتاب الإسلاموي"، تهمة الردة والتكفير والتغريب ونشر الرذيلة تطلق لِلَجْم الكتب التي تعشق الحياة والعلم والبصيرة، وسرعان ما تؤثر المقالات المسعورة الإسلاموية هذه على بعض الرقابات الحكومية، فتقوم بمنعها دون أن تتحلى بالموضوعية والنزاهة، بل تتخذ قرارها استناداً إلى رأي سطحي هنا ومقالة فارغة هناك.

في آخر زيارة إلى معرض الكتاب في الكويت في دورته الأربعين رغم ما قيل وما يقال عن الرقابة الحديدية فيه، فاجأتني حقيقة ساطعة بأن دور النشر الإسلاموية كانت كاسدة في المعرض، لا أحد من القرّاء يقصدها، وبرزت بدلاً عنها دور نشر شبابية تعرض كتباً محبة للحياة لا الخرافة والوهم عاشقة لملذات السرد لا سردبات الموت مفتونة بالحواس اللطيفة لا البشاعة والفتنة، مولعة بالحوار والحب لا الكراهية واحتكار الصواب، باحثة عن التفاؤل والأمل لا التشاؤم والبشاعة، متمسكة بالعقل والنور لا الجهل والظلمة، وأضحى معظم القرّاء يقصدونها معرضين عن دور النشر الإسلاموية.

ثمة درس مهم بدا بارزاً في معرض الكويت للكتاب، بأن الشعارات الإسلاموية لم تعد تسيطر على سوق الكتاب، فالمعرفة أكبر من الشعارات وكتاب العلوم والآداب أقوى من الكتاب الإسلاموي حتى وإن أطلق حملاته المسعورة على فراشات العلوم وأحلام الفنون وشرارات الآداب، ومبهجات الثقافة وترفها، وما قاله معرض الكويت للكتاب بدا واضحاً: "الكتاب الإسلاموي" وداعاً وإلى الأبد.