الرئيس الأمريكي ريجان مجتمعاً مع المقاتلين الأفغان في 1983
الرئيس الأمريكي ريجان مجتمعاً مع المقاتلين الأفغان في 1983
السبت 28 نوفمبر 2015 / 00:31

مجلة أمريكية: الغرب زرع بن لادن في الثمانينات ويلوم الإسلام اليوم على داعش

24 - طارق عليان

نشرت مجلة "صالون" الأمريكية مقالاً للكاتب الصحفي بنجامين نورتون" يؤكد فيه أن التطرف الإسلامي الذي يجتاح العالم اليوم وُلد على أيدي السياسة الخارجية الغربية أثناء الحرب الباردة، مشيراً إلى أن الغرب استغل المتطرفين الإسلاميين وسلحهم ضد ما كان يُعرف بالاتحاد السوفياتي (روسيا اليوم).

وأكد الكاتب في مستهل مقاله على ضرورة البحث عن منبع التطرف الإسلامي العنيف، وهو السؤال الذي لا يطرحه أحد في أعقاب هجمات باريس المروعة التي وقعت مؤخراً وأعلنت جماعة داعش مسؤوليتها عنها، منوهاً إلى أننا إذا لم نعثر على جذور المشكلة، فلن نكون قادرين على حلها والقضاء عليها.

وأضاف الكاتب أننا إذا أردنا معرفة من أين أتت الجماعات السلفية المتشددة مثل داعش والقاعدة، فإن الجواب يكمن في التنقيب في تاريخ الحرب الباردة، التي تُعتبر أكبر فترة تاريخية يغرقها الغرب بالأكاذيب ربما بصورة أكبر من أي فترة أخرى.

كيف زرع الغرب أسامة بن لادن
يدلل نورتون على النفاق الغربي بالإشارة إلى مقال نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في عام 1993 تحت عنوان "محارب ضد السوفييت يضع جيشه على طريق السلام"، وتحته صورة كبيرة لأسامة بن لادن، الذي كان حليفاً للغرب في ذلك الوقت.


وذكرت "الإندبندنت" في تقريرها أن بن لادن قام بتنظيم ميليشيا من آلاف المقاتلين الأجانب من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و"دعمهم بالسلاح ومعدات بناء خاصة به" في قتالهم ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات. وأضافت: "عندما يُكتب تاريخ حركة المقاومة الأفغانية، من الممكن أن تشكّل مساهمة بن لادن نفسه إلى المجاهدين نقطة تحول في التاريخ الحديث للأصولية المتشددة".

ويرى نورتون أن المجاهدين والميليشيات الإسلامية التي مولها بن لادن جنباً إلى جنب مع "مكتب الخدمات"، وهي المنظمة التي أنشأها بن لادن لتجنيد وتمويل المقاتلين الإسلاميين الأجانب، هي التي تحولت في نهاية المطاف إلى كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

وبينما زعمت الصحيفة البريطانية في مقالها الإيجابي، قبل أقل من ثماني سنوات من تدبيره لأكبر هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية منذ عقود، أن "رجل الأعمال السعودي الذي جنّد المجاهدين يستخدمهم الآن في مشاريع بناء واسعة النطاق في السودان"، كان بن لادن في الواقع يضع اللمسات النهائية على التنظيم الذي ظهر باسم القاعدة.

تحذيرات تذهب أدراج الرياح
حذر المؤرخ وعالم السياسة والخبير في شؤون الإرهاب إقبال أحمد في خطاب ألقاه في جامعة كولورادو في بولدر في أكتوبر (تشرين الأول) 1998 من أن سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان ستأتي بنتائج عكسية. "لقد اختفى الجهاد، في التاريخ الإسلامي، كظاهرة دولية عنيفة في السنوات الـ400 الماضية، لجميع الأغراض العملية، ولكن تم إحياؤه فجأة بمساعدة أمريكية في الثمانينيات. فعندما قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان، وجدها ضياء الحق، الديكتاتور العسكري لباكستان [المدعوم من الولايات المتحدة] على الحدود مع أفغانستان، فرصة لإطلاق دعوة للجهاد ضد الشيوعية الملحدة. ورأتها الولايات المتحدة فرصة عظيمة لحشد مليار مسلم ضد ما وصفه ريجان "إمبراطورية الشر".

وتابع التقرير "بدأت الأموال تتدفق على أفغانستان. واتجه وكلاء "السي أي أيه" في جميع أنحاء العالم الإسلامي لتجنيد أشخاص للقتال في الجهاد العظيم. وكان بن لادن واحداً من المجندين الأبرز في وقت مبكر. كان يحمل الجنسية السعودية، ومن أصحاب الملايين، وعلى استعداد لوضع أمواله الخاصة لخدمة هذا الهدف. بل قام بن لادن بنفسه بتجنيد أشخاص للجهاد ضد الشيوعية.

جاءت لحظة تحول بن لادن من العمل مع أمريكا إلى العمل ضدها، كما يصف المؤرخ إقبال أحمد، في عام 1990، حيث أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى المملكة العربية السعودية التي تعتبر مكاناً مقدساً للمسلمين، حيث توجد مكة المكرمة والمدينة المنورة، لمساعدة المملكة في هزيمة صدام حسين. ولم يكن قبل ذلك هناك قوات أجنبية قط.

"هُزم صدام، ولكن بقيت القوات الأمريكية في أرض الكعبة. كتب أسامة عدة رسائل داعياً لخروج القوات الأمريكية، دون جدوى. وفي نهاية المطاف، بدأ الجهاد ضد المحتلين الآخرين، بغرض طرد القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية. وكانت مهمته السابقة هي طرد القوات الروسية من أفغانستان".

وحذر إقبال أحمد الولايات المتحدة قبل 3 سنوات من هجمات 11/9 قائلاً: "إنهم ذاهبون إليكم. وسيفعلون الكثير".
كان إقبال أحمد على حق، ولكن أمريكا تجاهلت تحذيراته، وعانت من عواقب مرعبة.

المقاتلون المتطرفون من أجل الحرية
يعود الكاتب نورتون إلى أفغانستان مرة أخرى، حيث يكشف أن أفغانستان كانت دولة علمانية إلى حد ما في الخمسينيات والستينيات، وكانت المرأة تتمتع فيها بحقوق متساوية نسبياً. لكن التدخل الغربي هو الذي حولها إلى التطرف الإسلامي، حيث قامت أمريكا بتسليح المجاهدين في أفغانستان في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي، في ما كان يطلق عليها اسم "عملية الإعصار".

وهناك اجتماع شهير للرئيس رونالد ريجان مع المجاهدين في المكتب البيضاوي في عام 1983، حيث أعلن فيه أن "مشاهدة مقاتلي الحرية الأفغان الشجعان وهم يحاربون ترسانات الأسلحة الحديثة بأسلحة بسيطة محمولة باليد يعتبر مصدر إلهام لأولئك الذين يتوقون للحرية".


وأكد نورتون أن "مقاتلي الحرية" هؤلاء هي أسلاف القاعدة وداعش. فعندما انسحبت آخر تشكيلات القوات السوفيتية في 1989، اندلعت حرب أهلية قاتلت فيها مختلف الجماعات الإسلامية المتشددة من أجل السيطرة في ظل فراغ السلطة. فازت طالبان وأنشأت نظاماً دينياً على غرار العصور الوسطى لتحل محل الحكومة الاشتراكية "الملحدة" السابقة.

ورأى نورتون أن الولايات المتحدة لم تكن الوحيدة بأي حال من الأحوال في استغلال المتطرفين الدينيين لتحقيق أهداف استراتيجية، مشيراً في هذا السياق إلى أن إسرائيل قامت بدعم حماس عند ظهورها الأول في الثمانينيات وساندت مؤسسها الشيخ أحمد ياسين لتقويض المقاومة الاشتراكية العلمانية في منظمة التحرير الفلسطينية، حسبما زعم مسؤول حكومي إسرائيلي كبير في مقال له نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في عام 2009.

حققت استراتيجية الحرب الباردة للغرب الغرض منها. لكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، تم استبدال الجماعات الاشتراكية العلمانية التي هيمنت على حركات المقاومة في الشرق الأوسط بالمتطرفين الإسلاميين الذين سبق أن دعمهم الغرب.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن تميل معظم الدول العلمانية في تاريخ الشرق الأوسط إلى الاشتراكية نوعاً ما. وعلى النقيض من ذلك، مالت معظم البلدان التي ترتكز سيادة القانون على الشريعة-، إلى التحالف مع الغرب بشكل وثيق. وكان الغرب أكثر اهتماماً بالحفاظ على الرأسمالية من السماح بازدهار العلمانية والمساواة بين الجنسين والمساواة الاقتصادية النسبية وهي الأمور التي تهتم بها الاشتراكية.

مواقف المستشرقين
يرى العديد من المحللين، بما في ذلك الليبراليين، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمناطق ذات الأغلبية المسلمة من جنوب آسيا تسير حالياً بموازاة عصر الظلام الذي مر به الغرب، وهي فترة دامية من التطرف الديني. ويلومون صعود الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة على الإسلام نفسه، أو على ثقافة الشرق الأوسط "المتخلفة"، بينما يغفلون بشكل مريح عن سياسات واستراتيجيات بلدانهم المشينة.
ويصف نورتون هذه الأفكار الاستشرافية بأنها مشوبة بالعنصرية والقول بأن مسلمي الشرق أكثر تخلفاً من مسيحي الغرب بقرون لا يصمد حتى أمام أي تدقيق تاريخي سطحي.

فلا يذكر هؤلاء المستشرقين حقيقة أن معظم دول الشرق الأوسط كانت مستعمرات للغرب منذ عقود وخضع السكان المدنيين للترويع والمعاملة الوحشية من قِبَل القوى الاستعمارية الغربية.

ولفت الكاتب إلى أن الشرق الأوسط كان أكثر تقدمية وعلمانية في أوج الحرب الباردة مما هو عليه اليوم، متهماً الولايات المتحدة وحلفائها بتدمير العلمانية كجزء من استراتيجية أكبر ضمن الحرب الباردة، حيث كانت أكثر الحكومات العلمانية والحداثية في تاريخ الشرق الأوسط إما منحازة إلى الاتحاد السوفيتي أو حكومات يسارية محايدة.

ويرى الكاتب أن الغرب لم يتعلم من التجربة، وأن الحرب الباردة آخذة في العودة اليوم.