السبت 28 نوفمبر 2015 / 18:25

الأستاذ الأجنبي و"التقنية" ومتلازمة الحساسية المفرطة

مع صباح كل يوم تتقدم فيه الدولة خطوة نحو الأمام في سياق التطور البشري الطبيعي، يظهر علينا أناس يودون كبح هذا التقدم المتسارع عن طريق التغبيش المتقطع والاحتساب المتنطع.

من أكبر المشاكل التي تواجه الفكر الإنساني هو مشكلة ازدياد عدد المقدسات في القائمة، فحين تكون مقدسات مجتمع مثل مجتمعنا هي القرآن الكريم و الرسول عليه السلام والوطن والعَلم، فإن أي إضافات شخصية لهذه السلة المتفق عليها سيؤدي إلى حجر الحريات وكبت الإبداع وتحجير الواسع وتضييق المنفرج.

هناك من لا يفرق بين رموز مقدسة كالدين والوطن وبين تراث محترم حمله لنا أجدادنا الذين بدورهم حملوه من أجدادهم بعدما أصابه التغيير والتحوير على حسب ظروف المكان والزمان، فهذه الأدوات والموروثات في تغير مستمر حسب علماء الحفريات والأنسنة، فلو كانت جامدة ومطلقة ومقدسة لما حصل فيها تغيير قيد أنملة، وهذا يُعتبر حقيقة علمية قاطعة يجب أن يُخجل من نقاشها أو الطعن فيها، و كما نقلوا إلينا الكندورة والعقال والغترة نقلوا إلينا التمر والمالح والبثيث والهريس، فلو أن أحد الأجانب قذف تمرة في وجه أحد المارة كيف ستكون ردة فعلنا؟ من يعتبر التمرة فاكهة وطنية مقدسة سيطالب بطرد هذا الشخص وفصله عن عمله وتسفيره خارج البلاد لأنه أهان مقدساً أكله أجدادنا في زمن بيت لا تمر فيه جياع أهله.

أما البعض فسينصح هذا الأجنبي بتجنب هذه الفعلة لما فيها من أذية لمشاعر الحساسين، مع كون الصحابة كانوا يترامون بالبطيخ بين يدي رسول الله ص، لكن مراعاة لمشاعر أصحاب الحساسية المفرطة المرتدة سينصح البعض هذا الأجنبي بعمل كل ما يريد داخل فناء منزله لأننا لم نصل بعد - حسب علمي - لمرحلة التجسس على الناس في بيوتهم، فلكل مجتمع خصوصياته التي تختلف باختلاف الأمزجة غير المتفقة.

عندما يَطْرب أحد الفنانين الإماراتيين وهو مرتدي الزي الوطني ويتمايل ويترنح مع أي جهة أخذه فيها اللحن الموسيقي، فإن هذه حماسة وطنية تُقابل بالتصفيق الحار والإشادة اللامتناهية، أما لما يترنح أجنبي بنفس الزي الوطني في لحظة غمره فيها حب هذا البلد وحب أهله، فإن ذلك يعتبر خطراً عظيماً يهدد السلم الوطني ويهدد عقول أبناء دولة يفترض عليهم التعايش والتسامح مع أكثر من ٢٠٠ جنسية عالمية دون الذوبان في المجتمعات المستوردة والدخيلة، وبدل أن يكون العتاب على دوافع هذا الصنيع إن كان لهذا العتب من وجه أصلاً، يريد البعض أن يكون العقاب على قدر الحساسية المفرطة التي لا تبالي أن تقطع رزق إنسان وتجليه هو وعائلته خارج البلاد بمجرد حصول حكة لأحد مرهفي الإحساس الذين يعانون من أزمة وجودية مع كل من يخالفهم.