الإثنين 30 نوفمبر 2015 / 10:38

قيمة الشهيد

هناك أوطان تقدم شهدائها من أجل معركة استقلال أو حرب توحيد، وهناك أوطان تقدم شهدائها من أجل حفظ هيبة دولتها وتأمين مستقبل أمتها. عندما يتحدثون عن الشهادة والاستبسال فإن كتب التاريخ تعج بذكر نماذج من الماضي البعيد والذي قد لا تتقاطع جميع ظروفه مع ظروف منطقتنا العربية اليوم، أو قد تقدم هذه الكتب نماذج من دول شقيقة تتقاطع فيها الجغرافيا معنا، لكن تتباين فيها الدوافع والظروف والآمال، أما اليوم فقد صار عندنا شهداء كما كان للدول العظيمة شهداء، وصار يمكننا أن نُعلم أبناءنا عملياً أن الوطن الذي أعطاك بلا مقابل لا ينتظر منك شيئاً في المقابل، سوى أن تعمل على حراسته ليكون كما هو لك ولمن يأتي من بعدك.

سمعنا عن مواقع مغرضة تقول إن عدد شهدائنا قليل جداً ولا يتناسب مع هذه "البهرجة" الإعلامية المقامة لهم، ولا عجب أن يصدر هذا الكلام من فئة يعتبرها العالم في ذيل القائمة في الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته. كلنا نتذكر عندما كان يرسل الخميني أتباعه كالأمواج البشرية الهائجة التي غايتها الموت تحت عجلات الدبابة العراقية طاعة لأوامر الإمام وليس تنفيذاً لاستراتيجية حربية عاقلة، هكذا هلك مئات الألوف من الإيرانيين أمام مدافع ورشاشات العراقيين لأن قومهم لم يصنعوا قيمة لأرواح جنودهم فجعلوها أهدافاً سهلة لأعدائهم.

الفرق بيينا وبينهم أن الإنسان له قيمة في وطننا لا تعادله فيه إلا قيمة مواطن مثله، واستشهاده في معركة وطنية يعني أنه قد بلغ أسمى المراتب في سلم قائمة الشرف عندنا، أما عند غيرنا حيث لا قيمة للإنسان فإن الحروب تُخاض من أجل إرضاء غرور الإمام المقدس وليس من أجل تراب الوطن المقدس.

استوقفتني إمرأة مقعدة في أحد ممرات المستشفى وهي تصيح وتقول "أنت ابني أنت ابني"، فعجبت من قولها وظننت أنه قد أوهمها الشبه، فسألتها عن ابنها فأخذت تبكي وتقول "راح الله يرحمه" ، فقلت لها أهو من شهدائنا في اليمن؟ قالت "إيه"، فقلت لها والله إن ابنك قد رفع رأس كل إماراتي في هذا الوطن ووقوفي مع أم شهيد صابرة محتسبة مثلك لهو شرف لي، أعلم أن جرحك لن يشعر به أحد كما تشعرين به الآن، لكنك صرت أماً لكل واحد منا يرى في هذا الشهيد أخاً له لم تلده أمه.