مقاتلون من القاعدة في سوريا
مقاتلون من القاعدة في سوريا
الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 / 20:38

"الجهاد العالمي" يهاجر إلى فلسطين!

مع ظهور تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وقبل أن يختار هذا التنظيم توسيع جغرافياً نشاطه إلى ما بعد حدود الدولتين وما وراء حدود الإقليم، فقدت "القاعدة" زعامتها لـ "الجهاد العالمي" ووجدت نفسها في الظل، تقف عاجزة عن محاكاة إنجاز التشكيل الجديد الذي فاجأ العالم بانتصاراته الكبيرة على الجيوش النظامية، وقدرته على الحسم العسكري بعتاد وعديد فاجأ الدوائر الاستخبارية في المنطقة.

انتقل "داعش" الذي صار "تنظيم الدولة" بالفعل "الجهادي" من العمليات الإرهابية النوعية المحدودة إلى المواجهة العسكرية الشاملة والمفتوحة والمكشوفة التي تعجز عن خوضها الجيوش المحلية ويتطلب حسمها الاستعانة بالقوى الدولية الكبرى وبالقوى الإقليمية المؤثرة.

أمام هذا الواقع وجدت "القاعدة" نفسها مهددة بالزوال والتلاشي وليس فقط بفقدان زعامتها لـ "الجهاد العالمي". لذا بدأ التململ في أطرها القيادية وفي أجنحتها الضاربة، وظهرت بوادر لخلافات تحولت إلى صراع مكشوف بين القيادة التقليدية التي يمثلها أيمن الظواهري والتي ترى أن "الحرب المقدسة" ينبغي أن تظل في مسارها ضد "قوى الكفر العالمي" في الغرب وفي الشرق، وبين القيادات الصاعدة التي تشعر بالغيرة من النموذج الداعشي، وتبحث عن منافذ جديدة للتوسع والانتشار انطلاقا من مركز جديد لقيادة الجهاد لا يرتبط بجغرافيا أفغانستان وباكستان، ويعود إلى "الأصل" في الشرق العربي وفي فلسطين تحديداً.

بدا هذا التوجه واضحاً في تصريحات "أبو خالد الطرفي" الرجل الثاني في القاعدة، و"أبو محمد الجولاني" زعيم جبهة النصرة وفي بيان قيادة شباب المجاهدين في الصومال، وبدا التصعيد واضحاً أيضاً في تحدي زعامة الظواهري للقاعدة من خلال تحالف قيادات ورموز في التنظيم يضم الرجل الميداني القوي سيف العدل الذي يرفض مبايعة الملا أختر منصور خليفة الملا محمد عمر في زعامة حركة طالبان الأفغانية، وهو أيضاً يتبنى الدعوة لعزل الظواهري ومبايعة حمزة بن لادن زعيما للقاعدة، وإعادة تموضعها جغرافيا لينطلق نشاطها من فلسطين بدلاً من أفغانستان.

وفي القاعدة أيضاً مجموعات من الجهاديين السعوديين واليمنيين الذين يجاهرون بالدعوة إلى انصهار القاعدة في داعش من أجل تمكين هذا التنظيم في العراق وسوريا، ليكون أقرب وأكثر فاعلية في فلسطين التي يصطلحون على تسميتها بيت المقدس وأكنافه.

بالتزامن مع هذا التوجه تشهد المجموعات السلفية في فلسطين حراكاً داخلياً عنوانه الأبرز هو الانتقال من السلفية العلمية إلى السلفية الجهادية في ظل وجود مسوغ واقعي لهذا التحول يتمثل في وجود عدو يحظى العداء له ومقاومته باجماع الأمة. وتستشعر السلطة الحاكمتان في رام الله وغزة خطورة هذا التحول على وجودهما فتشددان القبضة الأمنية وتعتقلان عشرات السلفيين في الضفة والقطاع.

ورغم متابعة إسرائيل لهذا التحول إلا أنها تدرك أن السلفيين الجهاديين الجدد في فلسطين ما زالوا يحتفظون بمسافة تنظيمية بينهم وبين تشكيلات السلفية الجهادية القائمة في المنطقة، ولم يبايعوا البغدادي أو الظواهري، لذا تترك أمر تحديد حركتهم لسلطتي فتح وحماس في الضفة وغزة.

لكن تل أبيب المستفيدة من اشتعال الصراع في الداخل العربي، والتي تنسق سرا وعلانية مع التشكيلات الجهادية في سوريا تتحسب لاحتمالات تدحرج كرة اللهب إلى حضنها، وتراجع مواقفها التكتيكية لحظة بلحظة للحيلولة دون استثمار الجهاديين الفلسطينيين للحاضنة المجتمعية للتيار الجهادي ليس في الخليل ونابلس وغزة فقط ولكن وراء الخط الأخضر أيضا وفي أم الفحم تحديدا، ولعل القرار الاسرائيلي الأخير بحظر نشاط الجماعة الاسلامية في الداخل واعتبارها تنظيما إرهابيا يترجم المخاوف الاسرائيلية من ظهور السلفية الجهادية في مشهد المقاومة الميدانية المباشرة في الساحة الفلسطينية.

وفي تقديرات الموساد الاسرائيلي أن من استطاع نقل حوالي ألفي دبابة وآلية عسكرية من الموصل العراقية إلى الرقة السورية قادر على إدخال السلاح إلى فلسطين. وأن من استطاع الهجرة بالجهاد من العراق إلى سوريا، وقبل ذلك من أفغانستان إلى العالم لن يعجز عن الوصول إلى فلسطين في حال اتخاذ القرار وصدور الفتوى.

في ظل هذا التوجه الذي يهدد بتغيير مضمون الصراع في فلسطين واستحداث حرب دينية يصطف فيها العالم الغربي إلى جانب اسرائيل بقوة أكبر، يبدو الانهماك في تفاصيل الخصومة بين حركتي فتح وحماس، وكذلك التنافس بين أقطاب الحركتين لعبا في الوقت الضائع، وتنافساً عبثياً على مكاسب مؤقتة ووهمية في القياس الاستراتيجي.

هل يستطيع "الجهاد الدولي" أن يهاجر إلى فلسطين؟
يبدو الجواب بالإيجاب واقعياً، لكن هذه الهجرة تظل محكومة برؤى شيوخ هذا "الجهاد" واجتهاداتهم وفتاواهم.