الثلاثاء 1 ديسمبر 2015 / 22:06

إرهاب وإخوان وحقوق وإنسان

1-
ما أحدثه الإرهاب باسم الدين من إرباك وفوضى على مستوى بلدان ما سمّي، ظلماً وعدواناً، ببلدان الربيع العربي، كان موضوع اهتمام من بلدان الغرب العظمى هذه التي انشغلت كثيراً بإنتاج مفاهيم حقوق الإنسان وتكريس تلك الحقوق وفق منظار إنساني وفلسفي في الظاهر، ولكن روزنامة سياسية طويلة البال والنفس كانت كفيلة بفضح الباطن وكشفت المستور.

صار الإخوان المسلمون موضوعاً أثيراً ومثيراً لدى الدوائر الغربية، وقد اتخذ الإخوان ومشتقاتهم، من الدين مرجعية، وأخذوا صفات حديثة، ولم يكونوا، في السابق يتسمون بالمجاهدين ولا بالسلفيين ولا بالتكفيريّين، وكان يقال لهم في بلدان الغرب العظمى "مناضلون" و"حقوقيون" و"ضحايا الاستبداد السياسيّ في بلدانهم من قبل الحاكم الفرد المتسلط" و "ضحايا الرأي" وشاعت كلمة الكاتب الفيلسوف الفرنسي فولتير: "قد أخالفكَ الرأي، ولكن أدفعُ حياتي ثمنًا لتقول رأيك".

2-
لقد استقبل الغرب "الكافر" الزعماء الذين حوّلوا الدين إلى شغل سياسي دنيوي، وصار الإسلام رأسمالهم الخاص، فهم يؤمنون بأن الله كلفهم بالدفاع عنه، وحولوا أنفسهم إلى وسطاء وكلاء، وصاروا يقيمون على أرض الغربيين "الكفار"، وهذا الشأن حصل منذ الخميني (في باريس ضد نظام الشاه الإيراني) وصولاً إلى الغنوشي (المقيم في لندن ضد نظام بن علي في تونس) وحظي أتباعهما بالمتابعة والعناية في بلدانهم، داخل وخارج السجون وَكانت تُستخدَم ورقة حقوق الإنسان ضد هذا النظام أو ذاك كلما قررت مصالح الغرب ذلك، وهذه المنظمات الحقوقية كانت تتخاصم مع القبضة الأمنية في بلدان ما سمّي ظلماً وعدواناً بـ "بلدان الربيع العربي"، من أجل أن تراقب الوضع الصحي والإنساني لهؤلاء الاتباع في سجون الوطن، وتحرص على منافيهم المكيّفة بحق اللجوء السياسي.

- نعم، وصار الغربُ المستعمِرُ ملجأً رحيما كريماً لأبناء البلد المستعمَر، إلى أن جاء اليوم الذي عرف فيه هذا الغرب ما معنى الإرهاب، وذاق طعمه العذاب، وعرف معنى حقوق الانسان، وفهم مغزاها ، فصار مخترع القانون الإنساني هو الذي يسمح لنفسه بالدرس عليه حين تحل به الكارثة، وصارت الحرية الفردية والحياة الشخصية عرضة للانتهاك ولم يعد التنصّت على المكالمات بين الناس محرماً، ولا مكروهاً حين دقّت ساعة الإرهاب.

4-
حين تدق ساعة الإرهاب في العواصم الغربية، فإنّ مداهمة بيوت الناس، حلال في أي وقت، و دون إذن قضائي، كما أن تعذيب المعتقلين عند الاستنطاق أو غيرها من الممارسات هي حلال في حلال.

ولقد مسّ الإرهاب حقوق سكان هذه العواصم، وعطل الدم عن السريان في شريان الحياة وأقنع الإرهاب الجميعَ بأنه يستفيد من حقوق الانسان، واقتنع الجميع بأن الإرهاب كافر بحقوق الإنسان.

5-
- يلحُّ الاخوان المسلمون على التأكيد على القول: إنّ الارهاب لا دين له،
- إنها بالضبط فكرة مناسبة للتعميم، والتعويم حتى يختلط الحابل بالنابل،
- وفي مثل هذا المناخ، يطلب الإخوان المسلمون الفرجة والنجاة، وتحلو لهم الفرحة والحياة.

5 حكاية إرهاب تونسية:

تفاجأ زوْجان بحركات غريبة مريبة، في نواحي بيت تونسي في ساعة متأخرة من الليل في الهزيع الأخير من أيام حكم بن علي، فنبهت المراةُ زوجها في همس:

- سارق في بيتنا، سارق، ونهضت الزوجة بعزيمة واثقة وَاستنهضتْ زوجها، وأشعلت الأضواء، وسارع اللصّ إلى الصمت، والبحث عن منفذ للهرب، ولكنّ صاحب البيت نادى الرجل الغريب الذي انزوى في أحد أركان البيت:

- لا خوف عليك، ولن يصيبك منا أذى، أنت في أمان.
كانت المراة متعجبة من سلوك زوجها الذي غمزها وأمرها بالسكوت، فلا فائدة من فضح هذا الرجل المتسلل! وظلت واجمة تنظر إلى زوجها المثقف الذي يتصرف بطريقة غريبة مع هذا اللصّ الذي لا ريب في أنه مجرم، ولا تبرير لقدومه غير الجريمة،
لقد قرأ صاحب البيت قصصاً كثيرة عن حقوق الانسان، وسمع حكايات عن حقوق المجرمين وَالسفاحين وَعتاة المجرمين، واكتشف كيف أن احترامهم هو ضرورة حتى إن ارتكبوا أبشع المجازر، فالمنظمات الحقوقية الأجنبية حريصة على حقوق الإنسان، أينما كان، وتذكّر صاحب البيت عديد الحكايات التي مفادها أن الاقتصاص من المجرم لا يكون إلا أمام العدالة، ولا تتم الإدانة إلا بعد إثبات عديد القرائن التي لا يتسرب إليها الشك بعد تقليبها على جميع الوجوه، وكان شريط الحكايا مرعباً، لأن أشخاصاً كثيرين حاولوا أن يقيّدوا اللصوص بالحبال، أو يجلدوهم، أو يجوعوهم، وهؤلاء تحولوا من ضحايا ومعتدى عليهم إلى جلادين لأنهم أساؤوا معاملة الإنسان المجرم،

- هذا إذا ثبتت جريمته، لأنه في نهاية المطاف إنسان، يستوجب الاحترام قبل توجيه تهمة الإجرام.

لقد تذكّر صاحب البيت كيف أن اللصّ إنسان، وهذا الانسان له حقوق لا بدّ من مراعاتها، ولا يمكن المسّ بها في نظام لا بد له من أن يحترم حقوق الانسان،
ويقرر الرجل (المرعوب من اللصّ ومن حقوق النسان ومن النظام التونسي المرعوب من جمعيات حقوق الإنسان العالمية) أن يعتذر أولاً:
عن إزعاج اللص، فيطلب العفو من صاحبه اللصّ الذي قد يكون معتلّ القلب، وربما يعاني من مرض خفيّ، ويمكن أن يسبب صاحب البيت إزعاجاً غير متعمّد للصّ، وقد يصل هذا الإزعاج إلى حد الموت، أو لعله يسبب أزمة نفسية غير منظورة النتائج. وتبعاً لذلك، فإن صاحب البيت اعتذر للص قائلاً:

- أرجو أن لا أكون أزعجتك، خذْ راحتك،
وفكّر في أن يسأله إن كان يريد قهوة، ويستفسره عن نوعها، هل يريدها سوداء، أم بالحليب؟ وما منسوب السكّر فيها؟ أو إذا كان يطلب شراباً آخر، وما نوعه، بالكحول، أو دون كحول، أو إذا كان يطلب طعاماً، وما منسوب الملح فيه؟
فبادره اللص بقوله:

- أنا جائع
وهكذا أمر الرجل زوجته بالخروج من غرفة النوم إلى المطبخ لإعداد وجبة ساخنة، واندهشتْ الزوجة، وهي لا تدري الحكمة التي جعلت زوجها يتصرف بهذه الطريقة، ولم يكن بوسع الزوج أن يشرح لزوجته مبادىء حقوق الإنسان التي تحترم اللصّ، لا لأنّه مجرم، ولكن باعتباره، في المقام الأول، إنساناً لديه حقوق،
صار اللص يتمارض، ففكّر الرجل في أن يسأله عن سبب ألمه، وفكر في أن يمنحه دواء من صيدلية البيت، ولكنّه خاف من المضاعفات التي قد يسببها له الدواءُ المرتجَل، فاستدعى له طبيباً، وفحص الرجل، وناوله بعض المسكنات لإجراء الفحوص غداً، وتأكد اللصُّ والطبيب معاً من أن صاحب البيت رجل محترم، ومؤدّب، وعلى خلق كريم ، فهو يخاف على سمعته من الخدش ومن ذلك الإرهاب المسمّى بحقوق الإنسان.