القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد على جعفري (فارس)
القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد على جعفري (فارس)
الأحد 13 ديسمبر 2015 / 20:39

نوايا إيران الحقيقية

كانت إيران ولاتزال، العدو الحقيقي والأول خاصة لدول الخليج العربي، وهي التي لم تنقطع يوماً عن تغذية أحلامها في التوسع والهيمنة، ويكفي النظر إلى التاريخ القديم والحديث أيضاً لندرك ذلك، منذ انشقاقها عن العراق بعد سقوط المدائن عاصمة فارس، ذلك أن فارس كانت جزءاً من العراق، وليس العكس، سرت في الممالك الإيرانية روح التسلط والرغبة في إخضاع المنطقة وخاصة المنطقة القريبة:الخليج وما جاوره.

وإذا كان ذلك حال إيران قديماً فإن إعادة إحياء الإمبراطورية مع أسرة بهلوي الأب ثم الابن، أعاد النزعة التوسعية إلى نشاطها من جديد فاحتلت الممالك العربية على الساحل الجنوبي لإيران، وشرّدت السكان من لنجة إلى الحمرية، وضمت الأحواز، وأجزاء من تركيا، وأرمينيا، ومن أذربيجان، وكردستان، وباكستان، وأفغانستان، لتقوم إيران الحديثة على مجموعة من الأعراق والشعوب والقوميات التي تشكل أكثر من نصف إيران تقريباً، لكنها ترزح تحت حكم فارسي بالحديد والنار.

من الشاه إلى الملالي
ومع انفراد الملالي بالحكم في طهران بعد الإطاحة بالشاه، تغيرت الإيديولوجيا وآليات السلطة، ولكن بقيت الرغبة والحلم بالهيمنة والتوسع مستعرةً في عقل أهل السلطة، ما يُفسر تبني إيران لكل الحركات الإرهابية والمتطرفة في المنطقة، والعمل بنشاط وتصميم على زعزعة المنطقة واستقرارها، تحت شعار "تصدير الثورة" الثورة.

وفي السنوات الأخيرة ورغم عمليات التجمل الكثيرة، التي خضع لها الخطاب الرسمي الإيراني، لم تُفلح طهران في إقناع العالم بصدق نواياها واستعدادها لطي صفحة الماضي، والتعامل مع جيرانها والعالم بشكل طبيعي، على أساس الاحترام والحرص على المصالح المتبادلة.

وعندما تتحدث دول الخليج مثلاً، عن تورط إيران في مشاريع سياسية هدامة وفي تخريب واسع النطاق لدول ومجتمعات المنطقة، فإن هذه الاتهامات الدائمة ثابتة ومؤكدة، رغم النفي الرسمي الإيراني، وذلك ليس لأنها صادرة عن دول تخالف طهران سياسياً وأيديولوجياً وثقافيا، ولكن لأن إيران نفسها عاجزة عن إثبات العكس بتبنيها المباشر أحياناً وغير المباشر لهذا الخط الذي يُعد جوهر السياسة الإيرانية نفسها.

خطاب التعبئة
فبعد حديث "تصدير الثورة" والانتصار"للمستضعفين" ومقارعة "الاستكبار العالمي" الذي استهلك الفترة التي استغرقها انفراد الخميني بالسلطة بعد إقصاء المعسكر المدني الإصلاحي الذي قاد الثورة في 1979 ضد الشاه، ظهرت في الخطاب الرسمي الإيراني بعد العقوبات الدولية التي كتمت أنفاس إيران، مُصطلحات جديدة في إطار لعبة "سيمانتيقية" لتجميل الخطاب، مثل اقتصاد التبعئة، وخطاب التعبئة، وقوات التعبئة ومجتمع التعبئة، في إطار "التعبئة الشاملة" في إيران وبما يفضح الأصل العدائي نفسه، القائم على فكرة المؤامرة والتربص الإيراني.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً، وبمناسبة الحملات شبه اليومية التي يشنها الإعلام الإيراني ضد الإمارات أو السعودية وبدرجة أقل بعض الدول الخليجية الأخرى، التي تحتك يومياً بالمتحرش الإيراني في اليمن وفي لبنان كما في العراق وحتى في دول مجاورة أخرى، يُمكن الإشارة إلى أن خطاب التعبئة لا يعني في "ترمينولوجيا" الخطاب السياسي الإيراني، سوى الهيمنة على المنطقة ودولها عبر تصدير الثورة، أو تصدير النموذج الإيراني ومشروع الخميني الحقيقي، الذي قضى قبل تحقيقه.

إن فشل هذا المشروع الخميني، يُفسر إلى درجة كبيرة ارتفاع منسوب الحقد والغل والتصميم المتواصل على النيل من الخليج العربي ومن دوله، الأمر الذي كشفته وتكشفه ألسن رموز كثرة للسلطة الحاكمة، والساهرين على تنفيذ مشاريعها، عمداً أوسهواً وفي أكثر من مناسبة.

ستالين في الذاكرة
ففي خبر نشرته وكالة الأنباء الرسمية فارس الخميس، جاء على لسان "ممثل الولي الفقيه في الحرس الثوري الايراني حجة الاسلام علي سعيدي" والذي لا يختلف منصبه كثيراً عن المندوب الستاليني في ميليشيات الحزب الشيوعي السوفياتي سابقاً في الأربعينات من القرن الماضي أن "اللواء سليماني يؤدي اليوم دوراً مهماً وحاسماً في مساعدة جبهة المقاومة الاسلامية والجيش والقوات الشعبية في سوريا والعراق" لينسف بنفسه ، خطاب الحياد العسكري الإيراني الرسمي في سوريا، ويكشف بالمناسبة نفسها حجم تدخلها هناك.

ولكن الأهم في كلمة هذا المسؤول الإيراني بعد مكياج "الخطاب التعبوي" كان في إطار حديثه عن السفير الايراني السابق في بيروت، غضنفر ركن آبادي ، الذي قتل في حادثة التدافع التي عرفها موسم الحج الأخير عندما أشاد بـ: "الفكر التعبوي الذي كان يحمله ركن آبادي، وكان له حضورٌ فاعلٌ في هذا المجال في الداخل ومتابعاً له في الخارج أيضاً" في حديثٍ غريبٍ عن دبلوماسي يُفترض تعففه عن التورط في مثل هذه "المهام"، لا أن يكون كما  ذكر سعيدي حرفياً"أحد الذين نقلوا الفكر التعبوي إلى الدول الأخرى، ووفر الأرضية لانتشاره، وكانت له رؤية واسعةُ، وثورية تجاه التعبئة".

إن التعبئة عند سعيدي ليست سوى نُسخة محدّثة من خطاب تصدير الثورة القديم ، بالعبث بأمن واستقرار الدول المجاورة أساساً،ولكن ذلك يدلل على الأقل ويوضح الاستراتيجية الحقيقية الإيرانية في المنطقة، كما جاء في تصريح نقلته فارس في اليوم ذاته عن مسؤول عسكري، أسقط التوت عن الهدف الحقيقي من النشاط الإيراني المتزايد وعن مكانه: جنوب غرب آسيا، مثل دول الخليج.

الهيمنة على غرب آسيا
ونقلت فارس عن القائد العام الحرس الثوري الايراني، اللواء محمد على جعفري، الذي كان يتحدث في عربستان أو الأحواز، في إشارة متعمدة ربما الأربعاء، فتحدث عن:"أهمية منطقة غرب آسيا وأضاف، أن مصير العالم يتحدد في هذه المنطقة" أي الخليج.
 
ولكن الذي لم يُشر إليه جعفري صراحة أن هذا الكلام الاستراتيجي يعني في اللغة البسيطة، ما كان يُسميه هتلر بالمجال الحيوي، أي الدائرة المحيطة بألمانيا وقتها، والتي يجب أن تتسع إلى أقصى مجال ممكن لحماية ألمانيا نفسها ودرء أي تهديد عنها، فجاء "تجنيد ألمان السوديت" مثلاً مقدمةً لاحتلال تشيكوسلوفاكيا بدعوى حماية الأقلية الألمانية فيها، وبعدها بولونيا ثم سائر دول أوروبا.

ولا يبتعد هذا الفكر النازي كثيراً عن الفكر الثوري الإيراني، الذي يعتبرأن "مصير، ومستقبل الإسلام والعالم، يتحدد في حروب غرب آسيا".

إن هذا الخطاب الذي يتسلل من أفواه بعض المسؤولين الإيرانيين بين فترة وأخرى، هوالخطاب عينه الذي تُترجمه دول غرب آسيا، أو الخليج العربي، عند التنديد بالتدخل الإيراني في شأنها الداخلي، والعمل على التصدي له بما أوتيت من قوة، ما يُضاعف حنق وسخط طهران، لتنطلق ماكنية الدعاية في حملات يومية مغرضة ومكشوفة ضد دول الخليج المختلفة خاصة منها الإمارات.