الأربعاء 16 ديسمبر 2015 / 19:56

عيون سورية

كانت تضم كفيها الصغيرتين مثل شخص كبير يتوسل لإنقاذه ومسامحته، الخوف يكسو ملامح وجهها البريء والدموع تغرق عينيها، كانت تتوسل إلى الشرطي التركي الذي حاول فقط إبعادها عن الشارع الذي تبيع فيه محارم ورقية صغيرة، تقول بكل رجاء وتوسل "أرجوك سامحني هذه آخر مرة لن أمر من هنا مرة أخرى، أرجوك سامحني، أرجوك..." كانت تتوسل برعب حقيقي ظناً منها –كما اعتادت- أن هذا الشرطي سيلحق بها الأذى، فيما كان هو يحاول فقط تهدئتها وإبعادها عن خطر السيارات العابرة. في مشهد آخر طفلة تبدو في الثالثة أو الرابعة من عمرها كانت ترتجف، ومسؤولة الإغاثة الدولية في أحد المخيمات تحاول إطعامها وتهدئتها، الطفلة كانت ترتجف باستمرار، كل جسمها يهتز، من أخمص قدميها الصغيرتين إلى أعلى رأسها الصغيرة. كانت ترتجف في كل الوقت، تنام وتصحو مرتجفة رعباً منذ سقطت على بيتها قنبلة أودت بحياة أغلب أفراد أسرتها.

في مشهد ثالث طفلة سورية في السابعة أو الثامنة من عمرها، تحمل أخاها الصغير ويبدو في العام الأول، أو أقل، تتعلق برجلها أختها الصغيرة التي في الرابعة، والأخرى الأصغر سناً، وهي الآن، وهي الآن في السابعة، صارت أماً لثلاثة أطفال بعد موت والديها، يقفن على ناصية طريق مغبرات الشعر والوجه والملابس، كمن خرج للتو من قبر، يقفن بخوف وحيرة ولسان حال تلك الطفلة الأم يقول "والآن يا ربي أين أذهب؟ ماذا أفعل؟".

الطفلة السورية المرتجفة باستمرار من رعب صدمة لم تزل، والطفلة السورية المتوسلة برعب لزيّ شرطي، والطفلة الصغيرة التي أصبحت أماً ولم تكبر، من يمنحهم الأمان؟ كيف يمكن أن يستعيد هؤلاء الأطفال ذلك الإحساس الثمين بالاطمئنان؟ من يمكن أن يعيده إليهم؟ من يمتلك الإنسانية الكافية، الإنسانية الغنية، العظيمة، ليضم أطفال سوريا في حضن دافئ يخبرهم أنّه، وبالرغم من كل شيء قد حصل، لازال هناك أمل؟
كيف تستطيع البشرية أن تتعامل مع شعب، مع جيل كامل، يفقد الأمل في الإنسانية؟ "الأمل" هو صمام الأمان للاستمرار السلمي لنمو الحضارة الإنسانية، مهما كانت النكبات التي مرت بها هذه الحضارة. إنسان سقطت السماء على رأسه ولم يجد من يقف إلى جانبه، من يمد له يده ينتزعه من بين الأنقاض، من ينفض تراب الدمار عن عينيه، من يُهديه بروح المحبة في كف معطاءة شمس صغيرة تنير له دربه وسط الأهوال، إنسان لم يجد إنساناً يقف إلى جانبه، كيف سيكون شكله؟ وكيف ستتحمل البشرية عواقب يأسه القاتم؟

كيف تستطيع يا أيها العالم أن تشيح بوجهك عن المعاناة السورية؟ قلّب نظرك في كل صوب كما تشاء، لكن لن تتمكن من تجنب النظر في عيون طفل سوري كسرت روحه الحرب والبشاعة والأطماع والدناءة والخبث والجشع والإهمال والموازنات الدولية.