الخميس 24 ديسمبر 2015 / 22:21

تقرير: ثلاثة أسباب تجعل من دبي مركزاً للشركات التكنولوجية الناشئة

24- طارق عليان

في عام 2009، كان سايجين يالجين، وهو ألماني من أصل تركي، أسس علامة تجارية ناجحة للأزياء في أوروبا، على استعداد لبدء شركته المقبلة.

أراد يالجين أن تكون وجهته التالية هي منطقة الشرق الأوسط، نظراً للنمو السريع في انتشار الإنترنت الذي من شأنه أن يعطي أي شركة تجارة إلكترونية دَفعة قوية. ومن المتوقع لسوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط، في ظل وجود 200 مليون نسمة وطبقة وسطى متنامية، أن تصل إلى 15 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام، وفقاً لمسح أجرته شركة "باي بال". لذلك كان اختياره للمقر واضحاً: دبي.

وفي مقابلة معه أجرتها شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية الأمريكية، في قاعة مؤتمرات أطول مبنى في العالم، برج خليفة، الذي يطل على مدينة تمتلئ بناطحات سحاب جديدة تقريباً، قال يالجين: "بشكل أساسي، لا تُؤخذ ضرائب على أي شيء هنا". وبعد بيع شركته الثانية، يشق طريقه لمغامرته الثالثة الآن: SellAnyCar.com، التي تربط بائعي السيارات بالتجار في دولة الإمارات العربية المتحدة وتوسعت في الآونة الأخيرة في ألمانيا.

لم يكن يالجين هو الوحيد الذي انتبه إلى دبي، التي كانت واحدة من المناطق الحضرية الخمس الأسرع نمواً في العالم، وفقاً لتقرير معهد بروكينغز، يناير(كانون الثاني) 2015. لقد زاد عدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من أقل من مليون منذ عشر سنوات لأكثر من 3.3 مليون اليوم، منهم حوالي 80% من الوافدين. وبين عامي 2013 و 2014، تزايدت أعداد العمالة بنسبة 4.7%، ونما الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد 4.5%، إلى 24.866 دولار.

وأشار تقرير معهد بروكينغز إلى أن انخفاض أسعار النفط يعرض اقتصاد دبي لبعض المخاطر، ولكنه يتسم بتنوع أكثر بكثير من الإمارات الأخرى. فتشكل السلع اليوم، بما فيها النفط، أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي. ويتابع التقرير بأن قطاع الخدمات في دبي الآن يشكل أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتقول رانيا عبد الله، مؤسس شركة "أسباير آتش آر للاستشارات" ومقرها القاهرة، ولديها مكتب في دبي: "هناك طلب مرتفع على العمالة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهناك الكثير من الشركات العالمية وشركات السلع الاستهلاكية وشركات التجزئة الكبيرة. فالشركات تنمو بهذا الشكل".

موقع دبي الاستراتيجي
تتوسع الشركات، بدءاً من Purchase إلى Pepsico ومقرها نيويورك إلى Rocket Internet ومقرها برلين، للعمل في دبي بفضل موقعها الاستراتيجي كمدينة في مفترق الطرق في عالم الأسواق الناشئة. على سبيل المثال، فتحت بيبسي مختبر أبحاث وتطوير في دبي في 2014، بما يشير إلى النمو في منطقة الشرق الأوسط والأسواق الناشئة عموماً. وضاعفت الشركة أعمالها ثلاث مرات تقريباً في الأسواق الناشئة والنامية، من 8 مليارات دولار في صافي الإيرادات السنوية في 2006 حتي 23 مليار دولار في 2013. وتمتلك شركة Namshi، وهي فرع لـ Rocket Internet لبيع الملابس على الانترنت، مخزنًا في دبي يتعامل مع 30.000 وحدة يومياً.

وتمضي دبي أيضاً في استعداداتها لاستضافة معرض إكسبو العالمى 20/20، الذي يُتوقع أن يستقطب 25 مليون زائر من 20 أكتوبر(تشرين الأول) 2020، إلى 10 أبريل(نيسان) 2021.

ويقول تقرير الشبكة الإخبارية الأمريكية: تعد دبي مدينة مشهورة نمت في الصحراء. وبدءاً من منتصف التسعينات، قرر نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تحويل مدينة من المباني الخرسانية المنخفضة إلى رأس مال عالمي وأنفق الثروة النفطية للإمارة على البنية التحتية اللازمة.

وأوضح التقرير أن "هناك ثلاث عواملة رئيسية تجذب الاستثمار إلى دبي الآن كما يقول خبراء السوق: انخفاض الضرائب وموقعها المتميز في مفترق الطرق وسياسات التجارة الحرة".

عوامل الجذب
1- تعتبر دبي نقطة دخول إلى الأسواق سريعة النمو في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. يقول مصطفى عبد الودود، رئيس اللجنة التنفيذية لإدارة مجموعة "أبراج"، وهي شركة أسهم خاصة تدير رأسمالاً قدره 9 مليار دولار: "هذه الأسواق تنمو بسرعة تبلغ ضعف المعدلات في العالم المتقدم، وتعتبر دبي محوراً للوصول إلى هذه الأسواق". ومن المتوقع أن تستمر دول مثل الهند ونيجيريا في المحافظة على النمو بمعدلات تزيد على 5% سنوياً، في حين أن معدلات النمو في الأسواق المتقدمة قد تحوم حول نسبة تتراوح من 2% إلى 3% سنوياً.

ولا تعتبر دبي مركزاً جغرافياً لبعض من أهم الأسواق النامية فحسب، وإنما تمتلك وسائل نقل عظيمة وبنية تداول تجاري واسعة. وتتميز دبي بميناء ضخم في المياه العميقة، هو ميناء جبل علي، الذي يمكن من خلاله توجيه التجارة إلى الخليج وأفريقيا وشبه القارة الهندية، وثالث أكثر مطارات العالم ازدحاماً.

2- لا الشركات ولا الأفراد، بما في ذلك العمالة الوافدة، يدفعون ضرائب مبيعات أو ضرائب على الدخل. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي اتحاد مكون من سبع إمارات، ما يقرب من 45.000 دولار.

ولكن على النقيض من بعض الإمارات الأخرى، فإن دبي محمية من انخفاض سعر النفط الذي كان يتراوح بين 35 و40 دولار حالياً. وأشار تقرير معهد بروكينغز: "بفضل استراتيجية طموحة لتنويع اقتصادها، لم تعد دبي تعتمد على السلع الأساسية لتنشيط النمو الاقتصادي". وأكبر القطاعات في اقتصاد دبي هي التجارة والسياحة ويمثلان أكثر من 28% من الناتج المحلي الإجمالي، والأعمال التجارية والمالية وتمثل أكثر من 27%، والنقل الذي يمثل ما يقرب من 14%.

إن الضرائب المنخفضة تجعل دبي خياراً طبيعياً لرجال الأعمال، ويُنظر إلى دبي كمركز للتكنولوجيا في الشرق الأوسط، ومقر لشركات مثل Souq.com وهي شركة تجارة إلكترونية سريعة النمو تبلغ قيمتها مليار دولار، حسب بعض التقارير . وتعاني منطقة الشرق الأوسط من ندرة رأس المال للشركات التكنولوجيا الفائقة، لكن هناك بعض شركات رأس المال المخاطِر التي تركز على دولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك صندوق واحة دبي للسيليكون وشركات إدارة استثمار رأس المال الخاص وشركة "ومينا" للاستثمار.

3- سياسات التجارة الحرة تعطي دبي ميزة تتفوق بها على جيرانها. إن العديد من الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى في الأسواق الناشئة سريعة النمو تواجه معوقات بسبب القوانين التي تقيد أصحاب رأس المال الأجنبي والاستثمار. أما دبي، فقد حققت ميزات اقتصادية بإنشاء مناطق خاصة تشجع فيها القوانين على الاستثمار الدولي وتفضّل صناعات معينة. على سبيل المثال، توجد لشركة "أبراج" مكاتب في المركز المالي العالمي، حيث تمت إزالة اللوائح ضد الملكية الأجنبية للشركات.

وهناك العديد من المناطق الأخرى المماثلة، التي تستهدف صناعات محددة، بما في ذلك تكنولوجيا وسائل الإعلام: في "منطقة إنترنت"، هناك حي يُسمى "مدينة دبي للإعلام"، ولا يخضع الموظفين العاملين فيه لنفس متطلبات تأشيرة العمل في أماكن أخرى في الإمارة.

معيشة غير باهضة
أما تكاليف المعيشة، فعلى الرغم من ارتفاعها، فإنها ليست باهظة. تشير تقديرات رانيا عبد الله أسباير من "أسبير آتش آر للاستشارات" إلى قدرة المتخصص المغترب على العيش بشكل مريح، بما في ذلك تحمل تكاليف الدراسة لطفلين في المدارس الخاصة برسوم تبلغ 15.000 دولار سنوياً. وتقدم العديد من الشركات إعانات سكن تقلل من التكاليف كثيراً.

ويشير عبد الودود إلى تدابير السلامة ونوعية الحياة والمدارس، قائلا: "يختار الناس العيش في دبي والكفاح من أجل الحياة".

وكانت دبي جيدة بالنسبة لـ يالجين. لقد باع شركته الأولى، Sukar.com، وهي نادي للتسوق عبر الإنترنت، لشركة Souq.com، على الرغم من عدم إعلانه عن القيمة. ولديه في شركة SellAnyCar نحو 100 موظف وتصل الإيرادات التي يشير إليها يالجين إلى ما يزيد عن 100 مليون دولار. إنها تعتمد على قوة سوق السيارات البالغة 7.5 مليار دولار في المنطقة، حيث عادة ما يتبادل الناس التجارة في السيارات. وتعتبر دبي مدينة مجنونة بالسيارات نوعاً ما، على حد وصف التقرير، وكانت هناك تغريدة لا تُنسى أبرز فيها أحد الزائرين صورة لسيارة أجرة من طراز فيراري وكتب فيها: "سيارة أجرة فيراري. لماذا؟ إنها دبي".

وقال يالجين إنه "يتوقع مجيء المزيد من رجال الأعمال إلى دبي، حيث يستمر قطاع الإنترنت في النمو. يعتبر الشرق الأوسط منجم ذهب للاستثمارات في مجال الإنترنت. وبالإضافة إلى النمو في استخدام الإنترنت، أشار يالجين إلى الدعم الحكومي المتزايد في المنطقة للشركات الصغيرة، وخاصة شركات التكنولوجيا".