الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الثلاثاء 5 يناير 2016 / 14:25

تقرير: لهذه الأسباب تصمت تركيا عن إدانة إيران

رغم الموقف السياسي المشترك بين السعودية وتركيا من الأزمة السورية، ومواجهة الإرهاب، وإنشاء "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين البلدين، غير أن طريقة تركيا في التعاطي مع التصعيد الأخير بين السعودية وإيران، على خلفية الاعتداء على سفارة وقنصلية المملكة في طهران ومشهد، اتسمت بالفتور والحياد، إذ اكتفت بدعوة البلدين إلى إنهاء التوتر، بزعم أنه سيزيد الاحتقان في المنطقة.

وإذا كان التقارب بين السعودية وتركيا والتقاء المصالح بينهما، يوحي برغبة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تحسين علاقته مع دول الخليج، في وقت تتعاظم عزلته بعد التوتر التركي الروسي في الآونة الأخيرة، إضافةً إلى تداعيات الأزمة السورية، فما الذي يبرر صمت الجانب التركي، ولماذا لم تسارع أنقرة إلى إعلان دعمها للسعودية، وإدانة الاعتداء السافر الذي طال سفارة المملكة وقنصليتها في إيران؟

وقبل الإجابة، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار، النهج التركي في العلاقات مع إيران، والذي يقدمها على أي اعتبارات أخرى، ولأسباب أغلبها اقتصادي، فضلاً عن المصالح السياسية، إذ أن معطيات راهنة متعلقة بالملف السوري، تقرب إيران وتركيا أكثر من تلك التي تبعدهما.

أرضية التقارب
يرى الكاتب والناشط السوري الكردي، زيور العمر، أن تركيا هي من خطت الخطوة الأولى باتجاه إيران، وليس العكس، بدليل أن الموقف الإيراني الداعم والمساند لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، لم يتغير منذ مارس (آذار) 2011، حيث لم تدخر القيادة الإيرانية جهداً، ولم تبخل بأي من أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والبشري، إلا وقدمتها من أجل بقاء النظام السوري.

أما الحكومة التركية التي ساندت الثورة السورية منذ البداية، واحتضنت اجتماعات المعارضة، ودعمت أنشطتها السياسية والإعلامية، وجعلت من أراضيها قاعدة خلفية لمد المعارضة المسلحة في سوريا بالمال والسلاح والمقاتلين، هي من تراجعت عن مواقفها، وغيرت من نبرتها التصعيدية تجاه النظام السوري، وبدت مؤخراً، وكأنها لم تعد متحمسة لفكرة إسقاط النظام السوري، بسبب تصاعد نفوذ المتطرفين في صفوف المعارضة من جهة، وإمكانية قيام كيان كردي في المناطق الكردية في سوريا من جهة أخرى، بحسب الكاتب.

كما أن أردوغان، وفقاً لزيور، الذي دعم الثورة السورية، في سياق سعيه إلى استثمار ثورات الربيع العربي في مشروعه الإسلامي في المنطقة، سرعان ما تراجع عن طموحه، بعد الهزيمة التي مني بها الإخوان المسلمون، خصوصاً في مصر، التي أطاحت ثورة شعبية فيها، بحليفه الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، وكذلك الانتقادات السياسية والشعبية التي تعرضت لها جماعات الإخوان المسلمين في كل من تونس وليبيا. ونظراً لأن حلفاءه في سوريا أضعف من أن يعوضوا هذه الخسارة، قرر الرئيس التركي التركيز على ملفاته الداخلية، والاستحقاقات الانتخابية في بلاده.

ويرى مراقبون أن طلب بعض الجهات الدولية، بينها تركيا، بضرورة مشاركة إيران في اجتماع جنيف 2، يأتي في سياق القبول بمكانة إيران في إيجاد حل للأزمة السورية، على رغم اصطدام تلك الدعوات بعدم وضوح الموقف الإيراني من بنود "جنيف 1"، كونها تشكل الأساس المفترض للحل في "جنيف 2"، ورفض المعارضة السورية، ودول خليجية، في مقدمها المملكة العربية السعودية، مشاركة إيران في "جنيف٢".

ويضيف العمر أنه "مما ساهم بتعزيز التقارب بين البلدين، تحملهما لأعباء سياسية واقتصادية ثقيلة، جراء الأزمة السورية، فاقت قدراتهما على التحمل، إذ ألقت الأزمة السورية بظلالها على الأوضاع الداخلية في تركيا، من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية، فتراجع معدل النمو، جراء توقف مشاريع الاستثمار، وحركة التبادل التجاري مع سوريا وعبرها، فضلاً عن التهديد الذي يشكله تصاعد قوة الأكراد، وتزايد قوة ونفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة في الساحة السورية، خصوصاً تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش، والتي بدأت تشكل تهديداً حقيقياً لدول الجوار، وخاصةً تركيا".

التبادل التجاري

التقط الساسة الأتراك بوادر الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية الكبرى، في 24 من نوفمبر(تشرين الثاني) 2012، كي يعلنوا أنه يوفر فرصاً اقتصادية بالنسبة إلى تركيا، بحسب مراقبين.

ووفقاً للباحث والكاتب السوري، عمر كوش، تمثل تركيا منفذاً مهماً لإيران للالتفاف على العقوبات، منذ تصاعدت العقوبات الدولية والغربية على طهران، بسبب برنامجها النووي، خاصةً في تأمين استمرار حصولها على عائدات من تصدير إنتاجها من الطاقة، وكذلك الحصول على الذهب، كبديل لحظر كثير من تعاملاتها المصرفية من الخارج.

لكن الفائدة التي عادت على تركيا وقتها كانت أهم سياسياً، إذ مكنت الحكومة من ضبط عجز الميزانية بنحو 15 % ليبدو الاقتصاد وكأنه يتحسن بشدة، رغم عدم وجود أي زيادة نشاط حقيقية، وإنما عائدات مبيعات الذهب المبالغ فيها لإيران.

وتشير بيانات وزارة الخارجية التركية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2010 بلغ 10.6 مليارات دولار، وكان بحدود 1.2 مليار دولار في 2002، وكانت تركيا أعلنت أنها تسعى لرفعه إلى ثلاثين مليار دولار في 2015".

وفي السنوات الأخيرة زادت تركيا من وارداتها من الغاز الإيراني، الأمر الذي جعل وكالة أنباء بلومبرغ الاقتصادية تتساءل عن جدوى مضاعفة تركيا لواردات الغاز من إيران رغم أنها تدفع فيه سعرا أعلى من الغاو المستورد من روسيا أو أذربيجان.

ويقدر الفارق في السعر المضاف لفاتورة استهلاك الغاز التركية بنحو 800 مليون دولار سنوياً ـ من الصعب معرفة أين تذهب.

وقبل أكثر من عام وردت تركيا لطهران نحو 200 طن ذهب، وصفت إعلاميا بصفقة "الذهب السري"، استفاد منها وزير الاقتصاد التركي آنذاك ظفر كاغليان ورجل أعمال إيراني مقرب من القيادة الإيرانية بعمولات بلغت ملايين الدولارات.

في المقابل استفادت إيران من الحصول على الذهب من تركيا في تجارة ارتفعت من ملايين الدولارات قبل 2011 إلى عشرات مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة.