وزير الخارجية القطري الجديد
وزير الخارجية القطري الجديد
الخميس 28 يناير 2016 / 16:22

محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: اقتصاديّ في مهمة سياسية

في ثاني تعديل يُجريه أمير قطر على حكومته منذ استلامه مقاليد الحكم، أدخل الأمير تميم بن حمد آل ثاني، تغييراً هاماً ودفعاً جديداً على عمل حكومته، في ظرف يجمع بين الدقة السياسية والحساسية الاقتصادية، كان من أبرز معالمها إلى جانب تغيير سبعة وزراء وتقليص عدد الوزارات بإدماج ثماني وزارات في أربع فقط، ظهور ممثل جديد للمسارين القطريين (الاقتصاد والسياسة الخارجية) ممثلاً في وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

ولعل البعد الاقتصادي يُبرّر مثل هذا التغيير الواسع الذي يجريه الأمير القطري منذ وصوله إلى الحكم قبل أكثر من سنتين ونصف السنة، في ظل تراجع أسعار الطاقة، وتأثيره المحتمل على منتج كبير للغاز مثل قطر، ما يفرض نفساً جديداً ووجوهاً أقدر على التعامل مع التحديات الكثيرة التي يفرضها الوضع الاقتصادي العام محلياً وخارجياً، إلا أن البعد الأهم يكمن دون شك في المسحة السياسية الطاغية عليه، بما يُقدم هذا البعد على كل الاعتبارات الأخرى.

الأمير والجيل الجديد
ويأتي هذا التغيير كما نقلت وكالة رويترز، بمثابة خطوة جديدة للأمير تميم بن حمد على طريق فرض أسلوبه الخاص في العمل، وتقليص دور وحضور الطبقة السياسية القديمة التي ورثها مع حكم الإمارة، والتي قالت الوكالة إنه لم يكن ملائماً دفعها إلى مغادرة الساحة السياسية دفعة واحدةً.

ولكن المهم في وزير الخارجية الجديد، الشيخ محمد بن عبد الرحمان آل ثاني، أنه يعكس ما يشبه "التصعيد" أو الدفع إلى الواجهة بجيل جديدٍ من صناع القرار الشباب في الدوحة، جيل يجمع بين الفاعلية الاقتصادية، والبراغماتية السياسية، في تغيير هادئ، إعلامياً على الأقل إذا لم يكن استراتيجياً.

ومن أبرز الملامح على ما يُمثله الوزير الشاب، المولود في 1 نوفمبر(تشرين الثاني) 1980، البعد عن الأضواء، والواقعية الدبلوماسية.
ويعدّ وزير الخارجية الجديد من الدائرة المقربة والمؤثرة في محيط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، بحكم المسؤوليات الكثيرة التي اضطلع بها أو أوكلت إليه منذ سنوات طويلة رغم حداثة سنه، ذلك أنه كما تقول سيرته الذاتية المنشورة على موقع وزارة الخارجية القطرية، زمن عمله مساعداً للوزير السابق خالد العطية، كان مشرفاً على شؤون التعاون الدولي بوزارة الخارجية من يناير(كانون الثاني) 2014 وحتى تعيينه في منصبه الجديد، إلا أنه غائب تماماً عن الساحة الإعلامية والاتصالية، فلا أحاديث ولا تصريحات ولا حسابات على التواصل الاجتماعي تقريباً.

الاقتصاد أولاً
أما الميزة الثانية التي تلفت الاهتمام في شخصية الوزير الجديد، ولا شك أنها ستطبع أداء وزارته في الفترة المقبلة، فهي الخلفية الاقتصادية الصرفة له، فقد التحق بعد تخرجه حاملاً شهادة باكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة قطر في 2003، بمجلس شؤون العائلة، الحاكمة في قطر، باحثاً اقتصادياً في البداية لينتهي مديراً للشؤون الاقتصادية فيها بين 2005 و2009، قبل الإشراف على مجالات اقتصادية هامة مثل إدارة دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة في قطر، وصولاً إلى منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة قطر للتعدين في 2010، بالتوازي مع تعيينه في الفترة نفسها تقريباً سكرتيراً الممثل الشخصي للأمير لشؤون المتابعة بالديوان الأميري في يونيو (حزيران) 2010، وعضواً في إدارة جهاز قطر لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ورئيساً للجنة التنفيذية لشركة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في 2011، وأخيراً رئيساً لمجلس إدارة شركة أسباير كتارا للاستثمار.

ولكن كل هذه الخلفية الاقتصادية الهامة، تتراجع قليلاً إلى المرتبة الثانية، في ترتيب الأدوار التي لعبها الرجل، بعد التذكير بالدور الذي قام به في 2014، بمناسبة ما عرف يومها بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، للمصالحة بين مصر وقطر.

المصالحة مع مصر
ففي ديسمبر(كانون الأول) كلف الأمير تميم بن حمد آل ثاني، مساعد وزير الخارجية وقتها خالد العطية، بتمثيله لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار الجهود الدبلوماسية التي قادها الملك عبد الله بن عبد العزيز، لوقف التدهور المتسارع في العلاقات بين القاهرة والدوحة، وحلّ عقدة الإخوان المسلمين الذين لجأوا إلى قطر وحولوا اللجوء إلى مساحة مناسبة لتحركاتهم وبرامجهم، لاستعادة مصر إلى حظيرة جماعة الإخوان.

وبعد لقائه الرئيس السيسي، إلى جانب مبعوث الملك السعودي الراحل يومها رئيس الديوان الملكي خالد التويجري، أدلى الدبلوماسي القطري بتصريحات نادرة تناقلتها وسائل الإعلام العربية، بما فيها القطرية منها مثل صحيفة الشرق قال فيها: "إن دولة قطر كانت وما زالت تتبع سياسة الباب المفتوح ومرحبة بجميع الضيوف، ولكن في حال ممارسة العمل السياسي فإن أنظمة الدولة لا تسمح بذلك، والإخوة المعارضين الذين تستضيفهم دولة قطر مرحب بهم طالما لا يُمارسون العمل السياسي".

وبعد المقابلة والأخبار الكثيرة التي تسربت عنها قال الديوان الملكي السعودي، في بيان رسمي نشره بعد أقل من يوم من "الوساطة الملكية" إن "مصر وقطر استجابتا لمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي دعا فيها إلى توطيد العلاقات المصرية القطرية، وإزالة ما يدعو إلى إثارة النزاع والشقاق بينهما" مُشدداً على "حرص القيادة السعودية على إزالة ما يشوب العلاقات بين مصر وقطر، خاصة ما تبثه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة".

قناة الجزيرة
وبمناسبة الحديث عن وسائل الإعلام وما تنشره، كان من الطبيعي أن تكون قناة الجزيرة، التي شكلت رأس الحربة غير الرسمية لوزارة الخارجية القطرية منذ عهد الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، رجل قطر القوي سابقاً، على رأس المداولات التي شهدتها المحادثات المصرية القطرية السعودية، وكان لافتاً بعد أيام قليلة، ملاحظة إعلان شبكة قنوات الجزيرة، قرارها بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، التي تورطت في سياسة عدائية شرسة ضد نظام الحكم في مصر، لأسباب "تتعلق بالجوانب التقنية واللوجستية والتراخيص الضرورية" في خطوة اعتبرها كثيرون يومها "أول ثمار المصالحة المصرية القطرية برعاية سعودية"، رغم أن الجزيرة الأم عوضت بعد ذلك بفترة هذا النقص في العدائية، بأساليب وطرق مختلفة كثيرة أخرى.

ولكن مهما يكن الأمر، فإن الثابت أن دور الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في المنعرج الذي عرفته العلاقات المصرية القطرية السعودية، كان حاسماً لتحقيق بعض التقدم على طريق المصالحة، رغم أنه لم يكن كافياً كما أكدته التطورات اللاحقة، ربما بسبب دخول أطراف أخرى على الخط، لتحقيق أهداف غير التي كان الدبلوماسي يسعى إلى تحقيقها.

عهد البراغماتية؟
وكان لافتاً أن تصريحات الوزير الجديد، والمبعوث الشخصي السابق، أثارت فعلاً بعض الارتياح والتفاؤل بمستقبل العلاقات بين الدوحة والقاهرة، خاصةً بعد خروج بعض القيادات الإخوانية طوعاً حسب مصادر الإخوان، وغصباً حسب مصادر أخرى، ما اعتبر مؤشراً حقيقياً على تحول ربما توشك قطر على اعتماده في سياستها الخارجية، والذي يبدو أنه تأجل لأسباب داخلية مجهولة، فهل يعني تعيين هذا الوزير البراغماتي في منصبٍ يسمح له بهامش أكبر من الحرية، أن الدوحة حسمت أمرت أخيراً واختارت معسكرها أو على الأقل سرعت وتيرة التقارب مع السياسة الخارجية المشتركة لدول مجلس التعاون، بداية بالقاهرة، ولكن أيضاً دمشق، على هامش مؤتمر جنيف 3، والعراق، واليمن، وليبيا، وشمال أفريقيا عموماً والتهديدات التي تحدق به، ووصولاً إلى عواصم ودول أبعد من ذلك ربما، مثل طهران أو أنقرة؟.

هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.