الأحد 31 يناير 2016 / 18:37

كتاب دونالد ترامب وظاهرته المُقلقة!

المُقلق في ظاهرة دونالد ترامب، الذي يسابق على الفوز بالبيت الأبيض، هذه الأيام، أنه لا يرى مثلاً أعلى، وقدوة يحتذي به، سوى دونالد ترامب نفسه. هذا، على الأقل، هو الانطباع الرئيس الذي يرسخ في ذهن القارئ بعد الانتهاء من قراءة كتابه المعنون "أميركا المُعاقة: كيف تعود أميركا عظيمة من جديد" الصادر في أوائل نوفمبر الماضي.

ومن المنطقي، بطبيعة الحال، التعامل مع الكتاب باعتباره جزءاً من حملته الانتخابية للوصول إلى سدة الرئاسة. فليس فيه من جديد يتجاوز ما صدر عنه في مناسبات مُختلفة من تصريحات عامة حول العلل التي أصابت البلاد، وأنجع الطرق لعلاجها. كل ما في الأمر أنه يستفيض في شرح ما قاله من قبل.

والطريف في الأمر أنه يخصص جزءاً لا بأس به من التقديم لتفسير صورته التي اختارها غلافاً للكتاب. فيقول: أبدو في الصورة غاضباً، وقد تعمّدت اختيار هذه الصورة لأن أميركا ليست على ما يرام، وأنا غاضب، وأريد أن يفهم الناس أنني غاضب. ولكن صدقوني أنا رجل طيّب، ولدىّ الكثير من الصور التي تدل على ذلك.

المهم، أن مركز الثقل الرئيس في كل ما جاء في كتابه يمكن اختزاله على النحو التالي:

أمريكا أصبحت تشبه دولة من العالم الثالث، ولم تعد على قمة العالم، والسبب افتقارها إلى القيادة، وأنا أمثّلُ القيادة، والقائد المطلوب، والدليل نجاحي في عالم المال والأعمال، فلو لم أكن على قدر كبير من الكفاءة والحزم لما تمكنت من تحقيق ثروة تقدر بعشرة مليارات من الدولارات. والفرق بيني وبين المرشحين الآخرين أنني أقول الحقيقة، بلا تزويق، ولكن الصحافة تكرهني لأنني لا أقول ما يريدون سماعه. وعلى الرغم من كراهية الصحافة إلا أن الأميركيين يفهمونني ويتعاطفون معي.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بما يريد ترامب تحقيقه على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمن اللافت للنظر أنه لا يكف عن ترديد ملاحظة من نوع أن اللاعب الجيد يحتفظ بأوراقه الرابحة لنفسه، وحتى اللحظة الأخيرة. بمعنى أنه لا يريد الإفصاح عن أشياء كثيرة. وفي هذا، أيضاً، ما يبرر القلق من مخاطر شخص كهذا.

أما ما تنازل بالإفصاح عنه، وسبق تكراره في تصريحاته العامة، فيتمثل في الهجرة، والتعليم، والرعاية الصحية، والعلاقات الخارجية، والقوّة العسكرية. وتحت هذه العناوين الكثير من العبارات الإنشائية. ومع ذلك، فهو يعتقد أن الولايات المتحدة تحمي الكثير من البلدان والمناطق في العالم، وعلى تلك البلدان أن تدفع مقابل الحماية.

يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة تحتاج لبناء جدار على حدودها مع المكسيك، ولكن على المكسيك أن تدفع تكلفة بناء الجدار. المهم، على الكل في العالم أن يدفع. والدولة الوحيدة، في العالم، التي تحظى بالحماية الأمريكية، ولا يسري عيها لهذا المنطق هي إسرائيل، بينما ينبغي التعامل مع الصين كعدو.

واللافت في سياق الدعوة إلى تعزيز القوّة العسكرية، مثلاً، وعدم الخوف من نزول جنود على الأرض، كلما اقتضت الحاجة، أنه يعامل قضايا الحرب والسلام بمنطق السوق والمقايضة. وربما ينسجم هذا المنطق مع الثقافة السياسة السائدة، حالياً، في الولايات المتحدة، ولكنه يفتقر إلى العمق التاريخي، والنظرة الإنسانية، والحكمة من صنع السلام أو شن الحرب.

ليس من قبيل المجازفة القول إن ترامب يُعتبر ابناً شرعياً وطبيعياً لمنطق السوق، والاستهلاك، والتسويق، في الولايات المتحدة، ولكن في آخر تجلياته الشعبوية، وأكثرها فجاجة. والفرق بينه وبين صقور الجمهوريين، واليمين الأمريكي والغربي عموماً، أنه أكثر صراحة منهم، وبحكم فقره الثقافي، وجهله بالسياسة والتاريخ معاً، لا يحتاج لتغليف نزعته العنصرية والعدوانية بمرافعات ثقافية أو تاريخية تضفي عليها قدراً من الاحترام.

ومع ذلك، لا يمكن فهم ظاهرة كهذه بعيداً عن مأزق أميركا نفسها، في لحظة فقدت فيها الاستفراد بقمة العالم، في ظل صعود منافسين أقوياء، وفي سياق سلسلة متلاحقة من المغامرات الفاشلة، وخيبة الأمل، والخسائر المادية والمعنوية الباهظة.

وفي هذا ما يبرر الإحساس بمزيد من القلق، أيضاً. فالنزعات الفاشية والعنصرية تزدهر في ظل أوضاع مأزومة، وتتحوّل إلى مصدر خطر على شعوب تدعي تمثيلها، وآخرين في مناطق مختلفة من العالم، بطبيعة الحال. وإذا وجدت الفاشية والعنصرية ضالتها في شخص يرى في نفسه المُخلّص، ولا يكف عن مديح نفسه، والثناء على ملكاته الاستثنائية، يصبح الخراب وصفة مضمونة.

ترامب، كما ذكرنا ظاهرة سياسية جديدة، وتعترضه عقبات لا ينبغي التقليل من شأنها قبل الوصول إلى عتبة البيت الأبيض. ومع ذلك، في مجرد ظهوره ما يستدعي القلق، ويُطلق أشباحاً مخيفة لن تختفي من المشهد السياسي، في الولايات المتحدة، وأوروبا، في وقت قريب، فهناك أكثر من ترامب في الانتظار.