الأربعاء 3 فبراير 2016 / 19:07

سياسة العنجهيّة والصلف

مع تعثّر محادثات السلام غير المباشرة في جنيف، بين النظام السوريّ ومعارضته، عبّر كلّ من الطرفين المعنيّين عن موقفه المساهم في ذاك التعثّر.

هكذا أعلن رئيس الوفد الحكوميّ، السفير بشار الجعفري، أن حكومته "لن تقبل بأيّ شروط مسبقة من أحد". أمّا المعارضة فرفضت قبول البدء بالتفاوض مع النظام قبل توقّفه عن قصف المدنيّين ورفعه الحصار عن بلدات محاصرة وإطلاق سراح المساجين.

والفارق بين المنطقين، وبين روحيّتي كلّ منهما، هو ممّا لا تخطئه عين. فحتّى لو كانت المعارضة تناور، أو تلعب الورقة الإنسانيّة التي تخاطب الرأي العامّ العالميّ، فإنّها وجدت ما يتعدّى أنانيّتها السياسيّة المباشرة، وعثرت على الجسر الرابط بين همّها المتّصل بتركيب السلطة لاحقاً وبين معاناة ملايين السوريّين وألمهم.

 في المقابل فإنّ الجعفري، الذي لم يكتف بمناقضة إعلان الوسيط الدوليّ دي ميستورا عن انطلاق المحادثات، تحدّث بلسان الصلف والعنجهيّة اللذين يراد لهما تسوير حدود السلطة وضمان احتكارها إلى ما لا نهاية. فنحن، هنا، وحيال هذا المنطق، أمام سلطة من دون بشر، بل حتّى من دون حاجة إلى استخدام المواطنين ذريعةً أو درعاً واقياً!

 في الوقت نفسه، ومن طهران، كان الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني يهدّد جيران إيران بالردّ بـ "عقاب قاسٍ"، فيما "لو اضطرّنا [إلى ذلك] السلوك السيّء للجيران". وعلى هذا النحو يكرّس الرئيس الإيرانيّ، الزاهي بتسوية الملفّ النوويّ ورفع الحصار، لغةً في التخاطب الديبلوماسيّ المتكبّر الذي يتقمّص شخصيّة الأستاذ في مخاطبته أبناءً قُصّراً مشاغبين.

وقد يكون لأمين عام حزب الله اللبنانيّ، حسن نصر الله، قصب السبق في هذه اللغة المتعالية التي تعجّ بالتهديد والوعيد المستمدَّين من المقدّس. إلاّ أنّ السياسيّين الإسرائيليّين بدورهم، ولا سيّما في عهد بنيامين نتانياهو، غذّوا شرايين هذه اللغة سنة بعد سنة، غير آبهين بما تثيره من اشمئزاز في المنطقة والعالم. غير أنّ المؤكّد أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين هو اليوم، وعلى النطاق العالميّ، المرجع النظريّ والعمليّ الأوّل لأصحاب اللغة والنهج هذين. فما بين حرب الشيشان وحرب سوريّا، مروراً بأوكرانيا والقرم، وعلى نحو يتراوح بين تجاهل الأعراف الدوليّة والاستفادة من سياسة الانكفاء الأمريكيّ لأوباما، يسطع نجم بوتين بوصفه سيّد السياسة المؤسّسة على الصلف والعنجهيّة.

وللأسف، فهذا النهج الذي لا يعبأ إلاّ بالقوّة سيبقى معنا طويلاً في ظلّ العجز عن توليد قوّة مضادّة، لا على مستوى عالميّ ولا على صعيد إقليميّ. وإذا كان البعض يراهن على تحوّلات تأتي بها الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة هذا العام، فأغلب الظنّ أنّ رهاناً كهذا قد لا يكون في محلّه، خصوصاً وأنّ السياسة الأوباميّة ليست غيمة شاردة في سماء نقيّة، بل هي تخاطب ميولاً انكفائيّة، بل انعزاليّة، في الولايات المتّحدة، إن لم يكن في عموم الغرب.

 فالقضيّة اليوم ليست ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستخلّصنا من أصحاب الصلف والعنجهيّة، بل ما إذا كانت الشعوب المعنيّة هي نفسها ستبادر إلى تخليص ذاتها، من خلال نماذج ناجحة وكفيلة بتوليد القوّة الحامية والرادعة.

 غيرُ ذلك سيكون غرقاً متمادياً في الخضوع للاستبداد الذي يعبر الحدود، ويعامل الدول والشعوب كأنّها ملايين من الأطفال القاصرين.