الخميس 4 فبراير 2016 / 19:23

حصن الإمارات وشبابها الدائم

حدثان جاءا متزامنين في يوم واحد، ليعبر كل منهما عن الآخر، ويكون بمثابة المرآة العاكسة له، وهما مسيرة قصر الحصن، تلك التي أسس تقاليدها الرصينة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبادرة "الوزير الشاب" التي أطلقها في يوم مسيرة قصر الحصن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محتفياً بالمسيرة ومشاركاً بها، كما هو دوماً، ومعتزاً بما أرساه المؤسسون من تقاليد ملهمة لا تنسى، إذ أن مسيرة قصر الحصن ليست إلا ذلك التجسيد الذي يتجه فيه الشباب مع قادتهم من زمنهم المعاصر وتنميتهم الحديثة أو من شبابهم إلى زمن آخر يكبرون فيه، فهو لذلك وعلى نحو رمزي يعبر عنهم ويجلي وجودهم الحديث ويربطهم بالأصالة والتاريخ القديم.

لقد جاء الإعلان إذاً عن بادرة الوزير الشاب في وقته تماماً، وفي سياق مناسبة عظيمة ملهمة بدور الشباب، نسير فيه جميعاً إلى الحصن الأول، حصن الروح وأعمدتها القوية ورؤيتها الراسخة، حصن الوعي والنبع الصافي، إذ الظباء الشابة المعاصرة ما زالت تبحث عن الماء، وفي قمة بحثها هذا، تجد النبع المتدفق من الزمن العتيق وفي القصر العتيق، لتنهل منه نميراً عذباً، فتصبح أكثر أصالة في فورة الشباب، والشباب بكل أحلامه المتطلعة إلى مستقبل جميل، هم في الوقت نفسه يتقدمون من قصر المنهل الذي بناه الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى وقائع أسلافهم المؤسسين في قصر الحصن، فهو سير إلى الماضي الذي يتدفق الحاضر منه ويتعمق ويمتد، وهو سير في الوقت نفسه إلى المستقبل الذي يظل أبداً يلوح في الروح والمخيلة، ومن هنا جاءت مبادرة الوزير الشاب لتقول بأن الوزارة الشبابية المرتقبة لا تعبر عن الشباب وحدهم وقضاياهم فقط وإنما تعبر عن تقاليد الأسلاف الخالدة الذين يسير إليها الآن أولئك الشباب من نبعهم، ومن مسيرة قصر الحصن برقت الوزارة الشابة ولمعت وكانت أكثر ألقاً وتألقاً عندما أعلن عنها في مسيرة قصر الحصن.

لم يكن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قبل أربع سنوات عندما تقدم الشباب في مسيرتهم من قصر المنهل إلى قصر الحصن يريد المعنى الظاهر من السير بل الدلالة العميقة، السير ليس لكونه سيراً بل بوصفه ضرباً من التجلي والاستنارة، إنه يمنح معرفة واسعة بتطور حال الناس فيدركون إنجازاتهم أكثر ويتمسكون بها ويحيطون علماً بتحديات أسلافهم فيتعلمون منها، ولذلك فالسير ليس مشياً فحسب، إنه رياضة روحية فكرية تأملية بالمآلات الوقائع والمصائر تعطي البصيرة بأمثلة التاريخ التي هم في صدد الوصول إليها، في رحلتهم من قصر المنهل إلى قصر الحصن، في ذلك المسير الرمزي نفسه الذي سار عليه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حكمه، حيث تأملوا عندما وصلوا تاريخاً يذكر ووقائع تنشر وعادات تسفر وأمثلة تضرب وتسجل، ولهذا كله عمل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحكمة واقتدار وببعد بصيرة على إحياء هذا التقليد في مسيرة قصر الحصن وتجسيده للشباب ووضع أسسه ومبادراته حتى أصبحت المسيرة مهرجانا شبابياً بامتياز... حداثة للأصالة ومعاصرة للتقليد.

كان قصر المنهل الذي بناه الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والذي يبعد أقل من كيلومتر من قصر الحصن، شاهداً هو الآخر على قيام الدولة الحديثة واتحادها، ففي الثاني من ديسمبر شهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة عندما كان ولياً للعهد ورئيس الوزراء في أبوظبي رفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة فوق قصر المنهل العامر. أما قصر الحصن، فيعد البناء التاريخي الأقدم في أبوظبي، وقد بني قبل ثلاثة قرون، وكان مقراً للحكم وفيه وحواليه ومنه انطلقت المبادرات والحكايات والوقائع، إذ هو خزين لإدارة الملك وذاكرة سياسية وثقافية ووطنية واجتماعية، وكان الشيخ زايد بن سلطان أول من أدرك أبعاد القصر الرمزية هذه، فرمّمه ومنه انطلق مركز الوثائق والبحوث المعروف اليوم بـ"الأرشيف الوطني"، ثم طور مبادراته ليكون متحفاً ومعرضاً للكثير من القطع والمجموعات الأثرية التي ترتبط بتاريخ أبوظبي ومنطقة الخليج، ومنه وحواليه انطلق في أوائل الثمانينات معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

بادرتان متصلتان إذن، تاريخ عريق يمضي يداً بيد مع حاضر متقد، وشباب ينطلق من النبع الأول من قصر المنهل إلى قصر الحلم، من صفاء إلى صفاء، متذكرين جميعاً الأسلاف الكبار الذين حملوا أحلام الشباب في قلوبهم والشباب الذين جعلوا حكمة الكبار ملء العين والقلب، وفي المسيرة تطلعوا جميعاً، بعد أن علمتهم دروس التاريخ الصعبة أن المستقبل لأولئك الشباب الذين صارت كهولة الأزمنة الحكيمة جزءاً من سنواتهم المعدودة ومن مستقبلهم المنظور.