الخميس 4 فبراير 2016 / 19:31

برج السرطان

يُقال إن السرطان اكتسب اسمه من اقترانه بالكواكب في برج السرطان، وظل هذا الاسم الفلكي الذي أطلقه عليه "أبوقراط" ساري المفعول إلى يومنا هذا، وليس السرطان بمرض جديد لم يكن معروفاً ولا موجوداً في العصور السابقة، فلو قرأت كتب التراجم والوفيات فقد تتمكن من تشخيص بعض الأورام التي فتكت بأصحابها في أعمار مبكرة، ولعل أشهر ورم في الماضي هو ورم "الساركوما" الذي يترك بصماته الظاهرة على العظام، أما الأورام الأخرى فبسبب كونها داخل الجسم، فقد كان من شبه المستحيل تشخيصها أو توصيفها بالوسائل التشخصية القديمة.

السرطان ببساطة هو خلل في الخلية الحية يحولها إلى خلية مجنونة تنقسم طولاً وعرضاً وارتفاعاً لتغزو حياة 14 مليون إنسان سنوياً وتنجح في الفتك ب 8 ملايين منهم بدون أدنى رحمة، ومع أن هذه الأرقام المتراكمة أشد وطأة من أرقام ضحايا الحروب العالمية والإنسانية مجتمعة، إلا أنها تُحدث ضجيجاً هادئاً لا يشبه ضجيج القنبلة النووية التي سقطت على مدن الإمبراطورية اليابانية، نحن في العالم - و خصوصاً في الإمارات - بانتظار انفجار قنبلة سرطانية في العقدين القادمين مع توقع زيادة نسبة الإصابة بالسرطان بزيادة تقارب ال 70% بسبب العادات التي نمارسها في حياتنا.

مما يؤسف جداً أننا نجهل معظم أسباب السرطان ولا نعلم منها إلا الثلث والثلث كثير ، هذا الثلث هو الذي نمارس فيه طقوسنا التوعوية والتي تتضمن ضربات وقائية ضد السمنة وقلة تناول الفواكه والخضروات وانعدام الرياضة والتعرض للتلوث والاشعاعات وتعاطي الكحول والتبغ - والذي يقف وحده وراء 20% من وفيات السرطان السنوية - ولقد تمكن العلم أيضاً من اكتشاف علاقة للسرطان مع بعض الفيروسات المعدية التي تُهيأ الخلايا للتحول إلى خلايا فوضوية و مخربة، أما ثلثي الأسباب الآخر فهو في يد الأجيال القادمة لتكتشف أسراره وخباياه، لكن لاشك أن للموروثات الجينية دوراً لا يستهان به لعلنا نجهل أكثره، فهي تتفاعل مع العوامل البيئية والممارسات السلوكية لتقدم لنا السرطان على طبق من شوك ، ولعل ذلك ما يفسر تصدر السرطان دفتر وفيات بعض العائلات دون غيرها.

لقد أحرز علاج السرطان تقدماً ملحوظاً على المستوى الشفائي ، فعلاج سرطان الثدي -مثلاً- كان الجراحة العنيفة التي تزيل أجزاءاً كبيرة من الصدر و العظام ، ثم ظهر العلاج الإشعاعي و الكيميائي الذي مازال متصدرا أروقة المستشفيات، إلا أنه يقضي على الأخضر الصحي و اليابس المرضي، وله مضاعفاته المعروفة ، نحن اليوم في بداية عهد الأدوية الموجهة ضد الخلايا السرطانية على المستوي الجزيئي، و لعل ذلك هو أملنا الحالي في القضاء على مرض السرطان، وهو ما علينا الاستثمار فيه بالأبحاث و التجارب لضرب القواعد السرطانية وإطالة عمر الإنسان، و أملنا أن يدخل هذا المرض حقبة التاريخ تماما كما حصل مع مرض الجدري الذي صار تحت رحمة لقاح زهيد الثمن بعدما كان سلطاناً متعجرفاً.

يصادف الرابع من فبراير(شباط) اليوم العالمي للسرطان، وقد رفعت الحملة الخليجية بهذه المناسبة شعار (40/ 40)، والذي يعني أنه يمكن الشفاء من 40٪‏ من الحالات ويمكن الوقاية من 40% منه، صحيح إن العلم يكافح هذا القاتل الصامت من الخارج، لكن مكافحي السرطان الحقيقيون هم المرضى أنفسهم.

ولمن يرغب بقراءة السيرة الذاتية لمرض لسرطان فأنصحه وبشدة بقراءة كتاب (إمبراطور الأمراض) للدكتور "سيدارثا مكيرجي" حيث اعتبر كتابه من أفضل مئة كتاب مؤثر في العالم منذ عام 1923.