الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الخميس 4 فبراير 2016 / 23:20

تقرير: مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في 2016

24 - طارق عليان

غضّ الناس الطرف عن الهزات التي تعرضت لها الشراكة الأمريكية الإسرائيلية على مدى أكثر من عقد من الزمان، لكن أمارات ذلك واضحة للناظر تحت السطح، إذْ الصفائح التكتونية للافتراضات الجوهرية الثلاثة التي تقوم عليها هذه الشراكة في تزحزح.

وعلى الرغم من أنه ليس ثمة زلزال يوشك أن يقع، فإن طبوغرافية العلاقة تشهد تغيراً من نواحٍ مهمة، وذلك بحسب ما أفاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في تقرير له أعده نائب مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الأبحاث الأمريكي حاييم مالكا.

أولاً: ضمان التزام أمريكا بالدفاع عن إسرائيل بدأ يزداد صعوبة. كثيرون من أنصار إسرائيل يعلنون أن هذا ضمان من حديد، كما عضدت الولايات المتحدة تصريحاتها السياسية بإنفاق نحو 100 مليار دولار على مدى نصف قرن لكي تضمن أن تعطي الأسلحة المتطورة التي بحوزة إسرائيل ميزة عسكرية نوعية للدولة في مواجهة خصومها. وهذا الالتزام السياسي قوي جدّاً لدرجة أن مفهوم ميزة إسرائيل العسكرية النوعية منصوص عليه في القانون الأمريكي.

كانت تلك المعونات بالغة الأهمية، حيث ساعد الدعم الأمريكي إسرائيل على إبطال مفعول التهديدات العسكرية التقليدية النابعة من الدول المجاورة وترسيخ مكانة إسرائيل باعتبارها القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة. كما قرر العديد من تلك الدول صنع سلام مع إسرائيل. وأما البلدان التي مانعت في ذلك فهي يخامرها وهمٌ ضئيل بأن تقدر يوماً على هزيمة إسرائيل في ميدان المعركة، بل وهي تتعاون معها سرّاً.

غير أن المشكلة تكمن، بحسب التقرير، في أن التهديدات الرئيسة التي تواجه إسرائيل لم تعد تهديدات تقليدية بل تهديدات غير تماثلية نابعة من جماعات كحزب الله وحماس، وضربات محتملة بالصواريخ الباليستية من إيران. فالقيادات العسكرية في إسرائيل تتوقع أن يطلق حزب الله الآلاف من المقذوفات والصواريخ على المدن الإسرائيلية في حربهما المقبلة. ومثل هذه الضربات ستصيب البنية التحتية الإسرائيلية بالشلل في قطاعي النقل والصناعة وتعرّض ملايين الإسرائيليين للخطر في الوقت نفسه.

أما إيران فهي صنف مختلف من التهديد، إذ يعتقد إسرائيليون كثيرون أنه يهدد محض وجودهم ذاته. وكثيراً ما تثير قلق الإسرائيليين حقيقة أنه لو قررت إيران إطلاق سلاح نووي على بلدهم، فلن يكون أمامهم إلا بضع دقائق على أقصى تقدير كإنذار مسبق. وفكرة تزويد إسرائيل بمنصات أسلحة وذخائر أكثر تطوراً كالطائرة القاذفة بي-52 والقنابل الضخمة الخارقة للتحصينات لتخفيف حدة القلق الإسرائيلي والمساعدة على إزالة الشوائب التي شابت العلاقات تخطئ في الحكم على طبيعة التهديدات التي تتعرض لها دولة إسرائيل والكيفية التي ينظر بها الإسرائيليون إلى تلك التهديدات. فالواقع أنه لا توجد منظومة أسلحة ولا ضمان سياسي سيعالج قلق إسرائيل من التهديد النووي الإيراني، بحسب ما أفاد التقرير.

تزايد الصعوبات
كان ردع الجيوش العربية المحيطة مهمة سهلة نسبياً، لكن التصدي لهذه الأنواع من التهديدات يزداد صعوبة يوما بعد يوم. ففي عام 2014، استغرقت إسرائيل سبعة أسابيع لكي تُسكت الصواريخ التي تطلقها حماس، وفعلها ذلك أخفق في تغيير التوازن الاستراتيجي في غزة. المشكلة ليست قاصرة على إسرائيل وحدها. فالمخططون العسكريون الأمريكيون يواجهون أيضاً تحديات في التصدي للتهديدات غير التماثلية، حيث نشرت الولايات المتحدة مئات الآلاف من الجنود وأنفقت ما يزيد على ترليون دولار في العراق وأفغانستان لإخضاع القوات غير التقليدية، لكنها مع ذلك تقدمت بصعوبة. وعلى الرغم من أن المعونات الأمريكية ساعدت إسرائيل على تخفيف حدة التهديدات الصاروخية ببناء منظومة دفاع صاروخي متكاملة، لا يوجد التزام يمكنه أن يحمي الجبهة الداخلية الإسرائيلية أو يحل المشكلات الأعمق التي تشكلها التهديدات غير التماثلية وغير التقليدية.

ثانياً: تواجه هذه الشراكة فجوة استراتيجية متنامية. على الرغم من أن التصورات الإسرائيلية والأمريكية لم تكن في يوم من الأيام متناغمة كل التناغم، إلا أنه كان هناك ما يكفي من المبدأ المنظِّم المشترك للتغلب على هذه الاختلاف في التصورات والأولويات الاستراتيجية. ففي سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، كانت تربطهما الحرب الباردة، وفي تسعينياته كان يربطهما مشروع السلام العربي الإسرائيلي المشترك، وبعد هجمات 11 سبتمبر، جمعت بينهما الحرب العالمية على الإرهاب.

واليوم لا يوفر الشرق الأوسط إلا قدراً ضئيلاً من الوحدة ذاتها، إذ لم تعد إسرائيل تتواءم مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة كما كانت ذات يوم، والسبب في ذلك – إلى حد ما – هو أنه لا توجد هناك استراتيجية متماسكة بل سلسلة من السياسات. غير أن المشكلة التي تواجه إسرائيل أعمق. فإسرائيل تخشى أن تكون الولايات المتحدة بدأت تنفض يدها من المنطقة وتعيد تقييم سياستها لكي تتعاون تعاونا أوثق مع إيران، وهذا يغذي القلق الإسرائيلي من حدوث فراغ في القيادة الإقليمية يترك ظهرها مكشوفاً في وقت يتصاعد فيه النفوذ الإيراني.

سياسات متعارضة
تنتهج حكومتا الولايات المتحدة وإسرائيل سياستين متعارضتين تعارضاً جذرياً إزاء إيران، هذا بالإضافة إلى ما بينهما من اختلافات استراتيجية متعددة على كل شيء بداية من الاستراتيجية المتعلقة بسوريا وانتهاء بمبيعات الأسلحة الأمريكية المتطورة إلى الحكومات العربية. علاوة على ذلك، فإن كثيراً من هذه التحديات ليس إلا في بدايته. فسوف يتسبب التحقق من خطة العمل الشاملة المشتركة وتنفيذها في توتر وصراع مستمرين حول ماهية الأشياء التي تُعتبر انتهاكات إيرانية وكيفية التصدي لها. وفوق هذا كله، وعلى الرغم من ضآلة احتمالات إحراز تقدم، ستظل القضية الفلسطينية خط صدع في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

ثالثاً: تحولت إسرائيل من جديد إلى قضية حزبية في عالم السياسية الأمريكية. فاستغرقت إسرائيل وحلفاؤها الموجودون في الولايات المتحدة نحو أربعة عقود من الزمن لتحويل الدعم الأمريكي لإسرائيل من مسعى حزبي ضيق إلى دعامة من دعائم عالم السياسية الأمريكية لدى كلا الحزبين على السواء، غير أن هذا التوافق في الآراء آخذ في الانهيار، وسبب ذلك – نوعاً ما – التباعد الحادث بين مركزي عالم السياسية الداخلية الإسرائيلي وعالم السياسية الداخلية الأمريكي. فأقيمت العلاقة الأمريكية الإسرائيلية وقت أن كانت إسرائيل تحتل يسار الوسط على الطيف السياسي، وما تلا ذلك من تحول إسرائيلي في اتجاه اليمين لم يكن يقابله دوما تحول مماثل في الولايات المتحدة. وهكذا بدأت الحكومة الإسرائيلية الحالية تشعر بارتياح متزايد مع الحزب الجمهوري، كما انحاز رئيس الوزراء إلى الجمهوريين في الكونغرس انحيازاً علنيّاً إلى حدٍّ ما في محاولة لتقويض أجندة الرئيس بشأن إيران. الدعم الديمقراطي لإسرائيل في الكونغرس يظل قويا بكل تأكيد، لكن الاختلافات الحزبية بشأن إسرائيل تزداد وضوحاً يوما بعد يوم بين عامة الجمهور.

ستجمع الرئيس الأمريكي المقبل يقيناً علاقات أدفأ برئيس وزراء إسرائيل، وسوف يساعد رفع مستويات المساعدة العسكرية على إعطاء انطباع بأن الشراكة أعيدت إلى وضعها الأصلي. إن الشراكة الأمريكية الإسرائيلية ستبقى، وفقاً للتقرير، لكن هناك المزيد من الهزات التي تنتظرها في الطريق، ولن يكون لزاماً على الجانبان مضطرين أن يتعاملا مع تلك الاختلافات بحرص فحسب، بل أن يدركا أيضاً أوجه تغير الأسس التي أقيمت عليها العلاقة بينهما.