الإخواني السابق محمد اللويزي (أرشيف)
الإخواني السابق محمد اللويزي (أرشيف)
الأحد 7 فبراير 2016 / 16:02

تقرير: منشق عن إخوان فرنسا يفضح مشاريع التنظيم ومخططاته وجذوره

24 - رواد سليمان

على هامش اللقاء السنوي لمسلمي الشمال، الذي ينظمه اتحاد المنظمات الإسلامية، واجهة الإخوان المسلمين في فرنسا، الأحد وبعد منع السلطات 3 مدعوين من دخول البلاد للمشاركة فيه بسبب "تورطهم في خطاب الحض على الكراهية والتكفير، والتباغض" نشرت صحيفة لوفيغارو حواراً مطولاً مع قيادي إخواني سابق في فرنسا، بعد انشقاقه احتجاجاً على حقيقة المشروع الإخواني وخفاياه، رئيس اتحاد الطلبة المسلمين السابق في مدينة ليل الفرنسية، محمد لويزي، الذي أصدر أخيراً كتاباً بعنوان: "لماذا غادرت الإخوان؟".

وبسؤاله عن أيديولوجيا الإخوان المسلمين الذين انتمى إليهم فترة طويلة نسبياً يقول لويزي "لفهم أيديولوجيا الإخوان، لابد من الاقتراب من فكر حسن البنا، مؤسس التنظيم" ويلخص لويزي رؤية البنا للإسلام من خلال التنظيم الذي أسسه "منظمة كاملةً متكاملة، تشمل جميع مناحي الحياة، دولة وأمة في الوقت نفسه، حكومة ومجموعة دينية".

التمكين الشامل للإخوان
ويُضيف لويزي: "في سنة 1924، سقطت السلطنة العثمانية، وفي تفكير حسن البنا، كانت السلطنة أو الخلافة، الرمز السياسي الأول، لوحدة المسلمين في وجه الغرب، وفي 1928 أسس تنظيمه بالتزامن مع الأحداث السياسية الكبرى التي كانت تعيشها مصر، معركة التحرر من الاحتلال البريطاني، تنامي الحضور الصهيوني في فلسطين ثم بعد ذلك إقامة إسرائيل، ما جعله ينتهي إلى أن الخلاص الوحيد، يتمثل في خلافة جديدة، أو دولة إسلامية عالمية، بعد الوصول إلى التمكين الشامل، الذي يعني تفوق الإسلام في النهاية على كل الديانات الأخرى، وتطبيق قواعده وقوانينه المختلفة القضائية منها والاجتماعية لتنظيم العلاقات داخل المجتمعات الإسلامية ومع العالم الخارجي".

ولا يقتصر التمكين على المجتمع أو الدولة، بل يشمل الفرد، أوحجر الزاوية والخلية الأولى المسلمة، ثم الشعب المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، انتهاءً بإقامة خلافة التمكين، وأخيراً، إعادة احتلال الغرب والسيطرة عليه، آخر المراحل قبل التمكين العالمي للتنظيم.

وتُشكل هذه الرؤية التي تعكس حلم البنا، قوام مؤلفات المؤسس الأول للإخوان، في إطار استراتيجي، يقوم أولاً على تنشئة الأجيال على هذه الفكرة، ما يعكس أهمية الشباب في فكر الإخوان، كما هو الحال بمناسبة اللقاء السنوي الحالي في فرنسا مثلاً، ثم بعد ذلك يأتي الدور على العائلة، فالشعب، فالحكومة، من أجل إقامة الخلافة الجديدة وبلوغ التمكين، والسيطرة على الغرب".

من البنا إلى القرضاوي
ويؤكد لويزي: "ربما تبدو هذه الفكرة البسيطة على قدر من الجنون، ولكن المتأمل يرى بوضوح أن هذه الفكرة، ثابتة ومتأصلة في فكر الإخوان منذ 1928، وفاعلة ومؤثرة في مصر الحضن الأول للإخوان، ولكن أيضاً خارجها، بما في ذلك في فرنسا".

وبالنظر إلى "مسيرة الإخوان، عرفت هذه المقومات الأولى بعض التطوير والتعديل ولكنها ظلت جميعاً وفيةً للفكرة الأولى، عن طريق البنا نفسه في "الأصول العشرين لفهم الإسلام" أو على يد خلفائه ومريديه، خاصة يوسف القرضاوي، وترجمها إلى الفرنسية مثلاً منصف الزناتي، عضو اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والمكلف بالتعليم والتعريف بالإسلام، وهو الكتاب نفسه الذي يُدرس لطلبة "معهد القدس" هنا في فرنسا، الذي أسسه الإخوان المشرفون على الاتحاد المذكور.

على قوائم الإرهاب
ورداً على سؤاله عن "التضييق" على الإخوان واتهامهم بالإرهاب في أكثر من دولة، يقول لويزي "عندما أعلنت عدة دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات، تصنيف الإخوان المسلمين منظمات إرهابية، بما فيها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، ردت قيادات كل المنظمات الإخوانية، إنها ستلجأ إلى القضاء لرد اعتبارها، وتفنيد الاتهامات الموجهة إليها، بالوثائق والحجج الدامغة، لتأكيد براءتها من الإرهاب، وأن الدول التي اتهمتمها بذلك لفقت لها هذه التهمة للتخلص منها، وهنا أشير إلى أن هذه التصريحات كانت في مارس(آذار) 2014، ونحن اليوم في فبراير(شباط) 2016، ولم يتحرك أي فرع من الإخوان للدفاع عن نفسه قضائياً ولم يُفند أي منها، بالوثائق والحجج ما اتهم به".

وفي هذا السياق، يشير لويزي إلى الموقف من الإخوان في بريطانيا فيقول "على الضفة الأخرى من قناة المانش، في بريطانيا، جاء في التقرير الذي طلبه رئيس الحكومة البريطانية في 17 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، أن منظمات وخلايا تابعة للإخوان، تربتط بطريقة غامضة بعلاقات مُريبة بالتطرف العنيف" ويضيف لويزي "بل أكثر من ذلك، يؤكد التقرير البريطاني، أنه لابد من النظر إلى الانتماء إلى الإخوان، أو التأثر بهم، على أنه من علامات التطرف".

وعي فرنسي
وعن منع بعض الوجوه السلفية من دخول فرنسا، للمشاركة في أعمال لقاء الإخوان المسلمين، يُشير لويزي، إلى أن البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية الفرنسية، يُعد تحولاً تاريخياً في تعامل البلاد مع الإخوان، لأول مرة منذ 1983، ووعياً بالخطر الذي يمثلونه على فرنسا، خاصة في ظل تشديد البلاغ الرسمي على مصطلحات مثل "اليقظة" و"الملاحقة الفورية" و"العقوبات المناسبة" لكل من يتورط في التطرف والإرهاب، في إشارة إلى مستقبل تعامل السلطات مع التنظيمات الخاضعة للإخوان في البلاد.

وتتساءل الصحيفة: "لكن الإخوان يؤكدون أنهم ملتزمون بالقانون وبالعمل السلمي للدفاع عن أنفسهم"، فيرد لويزي قائلاً إن الاختلاف بين الإخوان والمتطرفين الآخرين، اختلاف في درجة التطرف، ليس في طريقة التفكير، ويكفي النظر إلى مؤلفات ورسائل البنا شخصياً المتعلقة بالجهاد مثلاً، والتي تعد القاعدة الأساسية لتكوين الإخوان في فرنسا أوغيرها من الدول، لتدرك حجم التطابق بين ما يُبشر به حسن البنا، والمكون الأيديولوجي الأساسي اليوم لدى داعش، أو القاعدة أو جبهة النصرة، نفس النصوص العنيفة، نفس المصطلحات الدموية، ونفس الوصايا والقواعد السلوكية والفكرية والعقائدية، التي تنتهي باللجوء إلى العنف والإرهاب والدم".

القطبية وحمام الدم في سوريا
ويُضيف لويزي "لم تكن صدفةً والحال كذلك أن تنطلق الدعوات إلى الجهاد في سوريا، من مصر في 2013، بمباركة شيوخ الإخوان والسلفية، ودعم من السلطات الإخوانية وقتها، والمرجعية الإخوانية صلب التنظيم الدولي للإخوان الذي يُعد مركز القيادة الحقيقي، ومرجع الفكر المتطرف للإخوان كما أرسى معالمه سيد قطب".

وتساءلت الصحيفة عن الخطاب المزدوج والمراوغ الذي يعتمده الإخوان في فرنسا كما في الخارج، الذي يُمثل التهمة الأكثر رواجاً وشهرةً، متساءلةً عن حقسقة الأمر؟ يقول محمد لويزي إن الإزدواجية من دعائم النظام الداخلي للإخوان، ويُذكر في هذا السياق ببعض الحوادث التي تورط فيها الإخوان.

وفي فرنسا تحديداً "وبعد الضجة التي تفجرت السنة الماضية مثلاً بعد اتهام مدرس في معهد ابن رشد، التابع للإخوان، بتجنيد الطلبة واستقطابهم، وفي ظل التركيز الإعلامي الكبير على القضية، ظهر رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، عمار لصفر، في الصحف وأمام قنوات التلفزيون لينفي أي صلة للاتحاد بالإخوان، معتبراً ذلك من التهم الكيدية ومن محاولات المس من سمعة الاتحاد لأهداف سياسية، ولكن نائب لصفر في الاتحاد نفسه، وإمام مسجد مدينة فيلنوف، والمدرس بنفس المدرسة التي شهدت القضية التي تحدثت عنها مدرسة ابن رشد، نسي تصريحات رئيسه قبل سنة، ليطلع علينا منذ أيام في خطبة الجمعة الماضي والتي ألقاها بعد قرار وزارة الداخلية بمنع بعض الوجوه المشاركة في لقاء الاتحاد السنوي، يقول فيها إن هدف المنع هو الاتحاد بدعوى العلاقة بالإخوان، ولكن لاأحد أنكر أننا إخوان، نحن لا نُخفي هويتنا، بل وعلى العكس تماماً نعتز بانتمائنا إلى الإخوان" ويمكن الرجوع إلى التسجيلات بالصورة والصوت للتصريحين في أقل من سنة.

ازدواجية وثنائية

ويُضيف "وإلى جانب الخطاب المزدوج، يقوم العمل الإخواني على الخطاب الثنائي، خطاب بالعربية، وآخر بالفرنسية، أو بأي لغة أجنبية أخرى حسب بلدان الإقامة، وذلك في إطار سياسة ومشروع التمكين المشار إليه، فالإخوان يعملون على تثبيت حضورهم في أوروبا بهدف إعادة تشكيلها، أو تشكيل شبابها المسلم على الأقل خدمة للمشروع الأول للحركة".

ولكن لماذا يُصر الإخوان على التمسك بأوروبا رغم المعوقات ورغم "التضييقات" فيجيب لويزي، أن سبب ذلك تعويض الفشل المستمر منذ أكثر من 8 عقود في السيطرة على العالم العربي، بعد نجاحات وإخفاقات مختلفة، وثانياً لتطبيق المرحلة الثانية من التمكين والمعروفة في الأوساط القيادية بخطة التوطين.

وتهدف الخطة إلى تأصيل كيان الإخوان في أوروبا، واستقطاب أجيال من أبناء الهجرة، أو من الأوروبيين أنفسهم، في إطار خطة الخلايا ثم المجتمع والحكومة وغيرها، ما يجعل أوروبا في نهاية قابلة للضم للدولة الإسلامية المنتظرة.

قاعدة الإخوان
ونظراً لمواقفه من الإخوان، تساءلت الصحيفة عن سرّ اتهامه للجماعة بتشكيل "قاعدة احتياط" سرية، فيرد على ذلك محمد لويزي، بأن فكرة الإخوان ذاتها قائمة منذ البداية على هذه الفكرة، الاستقطاب والتجنيد والإعداد لليوم الموعود، وكل إخواني هو جندي احتياطي في انتظار الساعة الصفر، وهو ما تكشفه كتابات البنا، وخاصةً كتابات ابنه الروحي سيد قطب، وتفسيراته الشهيرة لسورتي الأنفال والتوبة.

ويُضيف لويزي "لا يمكن النظر أو التعامل مع الإخوان من خارج سياق قراءات البنا وقطب، فالإخواني في الأساس قوة احتياطية في خدمة المشروع، وعليه دعم لهذا السبب دعم التنظيم بلا حدود وبلا شروط، في انتظار إعلان الجهاد من قبل قيادات التنظيم، ولكن في الأثناء، لابد من التبرع المالي والدعم الإعلامي، والنفسي والاجتماعي لخدمة القضية السامية في الأخير القتال، وخدمة للمشروع الذي يلخصه البنا في كتاباته وفي أحاديثه الخاصة والعامة استناداً إلى حديث مروي عن الرسول أن"من مات ولم يغزُ ... مات على شعبة من النفاق".

وهي الفكرة الأولى والوحيدة والمركزية لدى الحركات المتطرفة جميعاً من الإخوان إلى القاعدة وداعش والسلفيين التقليديين.

سلفية وإخوان
وتساءلت الصحيفة، عن علاقة السلفية بالإخوان، وعلاقة الإثنين بالإرهاب، فيرد لويزي قائلاً: "يمكن القول إن المادة المشكلة الأولى للمشروع واحدة بين الفرعين، وباستثناء الاختلاف في درجة العنف اللفظي والاصطلاحي الشائع في كل تيار، فإن الأصل واحد".

فالإخواني جهادي قيد الاحتياط، ولكنه قادر على تعويض السلاح التقليدي بأسلحة أخرى مختلفة، وفي المقابل لا يختلف السلفي كثيراً عن الإخواني إلا بمدى استعداده للانخراط في العمل العنيف".

وبالنظر إلى ماضي في التنظيمات الإخوانية، ووصولاً إلى اضطلاعه بمهام قيادية داخل منظمات خاضعة للإخوان، تتساءل الصحيفة عن طرق التجنيد والاستقطاب، فيقول لويزي إن "التنظيم هو من يختار أعضاءه لا العكس، أنت لا تصبح إخوانياً ولكن التنظيم يجعلك كذلك، فالتنظيم يعمل وفق مبدأ الانتقاء الطبيعي، أي المفترس يلتهم الأضعف، وهكذا من الأقوى إلى الأضعف، لضمان تماسك وتكامل الحلقات التابعة للتنظيم، وفي إطار مشروع التمكين ينشط بعض الإخوان، في مجال الاصطياد والتجنيد للأفراد، وتوضح لهم كيفية العمل وأهدافه وطرقه والهدف منه، مع إسناده بقاعدة صلبة من الدعم البشري والعقائدي".

ويُضيف المتحدث "لا يمكن في هذا السياق إغفال مسألة لغوية مهمة في العربية، وهي أن مصطلح القاعدة، مسألة عقائدية محورية عند سيد قطب، خاصة بالاستناد إلى قراءته وتأويله لسورتي التوبة والأنفال، والتي وجدت في تنظيم القاعدة خير معبر عنها وعن مشروعها، حسب الرؤية الإخوانية".

وعلى هذا الأساس "يعمل الملكفون بالاستقطاب ضمن التنظيم على استهداف المرشحين للانخراط في التنظيم لتشكيل القاعدة، المرحلة الأولى قبل الفرد والخلية العائلية ثم المجتمع وفق الرؤية التي أرساها من البداية حسن البنا".

تتساؤل لوفيغارو، ولكن كيف يتحول المرء إلى إخواني؟

درجات الولاء العشر
يؤكد لويزي أن "المجند الجديد يخضع إلى تكوين أساسي قاسٍ وشديد الصرامة، يقوم على درجات الولاء العشر، وهي تباعاً حسب الأهمية، الفهم، ثم الصدق، فالعمل، والصدق، والجهاد المسلح، والتضحية، والطاعة الكاملة، والمثابرة، والوفاء بالعهد المقطوع للتنظيم، والأخوة والثقة العمياء والكاملة في إدارة التنظيم وقيادته".

وبعد تكوين يقصر أو يطول، حسب الشخص، وبعد التأكد من خلفية المرشح للعضوية، حسب لويزي، يدخل المجند الجديد الطور الأهم، أي الانتماء الرسمي، بأدائه القسم الذي يُمكن ترجمته على النحو الآتي: "أقسم الله العظيم، أن التزم تمام الالتزام بقواعد وتعاليم الإسلام، والجهاد في سبيله وللدفاع عنه، وأشهد الله أن أفي بشروط ولائي للإخوان المسلمين، وأن أقوم بواجباتي تجاههم، وألتزم بطاعة قادتهم في السراء والضراء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ما لم يأمروني بمعصية، وأقسم على ذكل والله علي شهيد".

طريق السيف والدم
وبعد القسم، يصبح العضو إخوانياً حقيقياُ مؤهلاً للاضطلاع بدوره في تحقيق أهداف التنظيم، والتي يُمكن تلخيصها في شعار التنظيم الشهير "الله غايتنا ، والقرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

ولكن لويزي الذي قضى سنوات طويلة من شبابه وحياته في خدمة المشروع الإخواني، قاطع التنظيم وانشق عنه، ما جعل الصحيفة تتساءل عن سرّ انشقاقه، فرد قائلاً: "بعد سنوات أدركت أن طريق الإخوان، طريق السيوف المزدوجة، لفرض القرآن بالدم والإكراه، أدركت أنه لا مكان لي صلب تنظيم مماثل، واخترت المغادرة والبحث عن نشاط سلمي وبعيد عن الدموية والخبث السياسي والتوظيف الديني".