الإثنين 8 فبراير 2016 / 18:55

تهجير المصالحات.. تأجير المواقف

لا يمكن وصف المشهد العربي الراهن بغير السريالية التي تقترب كثيراً من الكوميديا السوداء بكل ما فيها من ضحك مسيل للدموع.
تبلغ هذه الكوميديا ذروتها في رحلات وفود المصالحات العربية إلى الخارج لتسوية الصراعات والحروب المشتعلة في الداخل، ويتحول الضحك إلى بكاء في رؤية المصافحات الكاذبة التي تتم أمام الكاميرات برعاية الوسطاء الدوليين المشتغلين في مهمات حقن الدم في بلادنا.

بعيداً عن التفاصيل المخجلة لما يجري في كواليس اللقاءات التصالحية، وما ينقل عن أمراء الحروب من اعترافات تكشف تورطهم في تخريب البلاد وقتل أهلها، وبعيدا عن الاصطفافات غير المفهومة لأطراف الصراعات، والمفردات الباهتة في وصف الحرص على "وحدة التراب الوطني"، تظل الحقيقة الموجعة تؤكد كل يوم أن هذا التراب الوطني لا يرتقي، من وجهة نظر المتصارعين، إلى مستوى احتضان المصالحات.. لذا يتم تهجير التسويات إلى خارج جغرافيا الحروب، ويتم انتداب رعاة محايدين من الخواجات المعنيين بالسلم الأهلي في بلادنا!
ربما لهذا السبب تجري مفاوضات المصالحة بين أطراف الحرب السورية في جنيف برعاية الوسيط الدولي ميستورا، ولا تجري في دمشق برعاية أمين الجامعة العربية مثلاً.

ولهذا السبب أيضاً تجري لقاءات المصالحة الليبية في المغرب وغيرها برعاية الوسيط الدولي ليون، ولا تجري في طرابلس أو بنغازي برعاية وسيط عربي محايد (إذا كان ممكنا العثور على مثل هذا الوسيط).

لكن، واعتماداً على حقيقة أن من أشعل النار قادر على إطفائها، ولأن ما حصل ويحصل في سوريا وليبيا هو بفعل فاعل أو فاعلين معروفين في عواصم القرار الإقليمي والدولي، فإن الرهان على الحلول المصنعة في الخارج يبدو اضطرارياً، وإن كان غير منطقي من الناحية النظرية على الأقل.

في الحالة الفلسطينية لم يكن الأمر على هذا النحو منذ البداية، لأن الخلاف الداخلي الذي تحول إلى صراع معلن بين فتح وحماس يظل صراعا فلسطينيا داخليا، وإن كانت له صواعق تفجير إقليمية، ويظل قرار المصالحة فلسطينياً وإن كانت هناك مؤثرات خارجية على الطرفين، أي سلطتي الحكم في الضفة وغزة، فالأولى جزء من النظام الرسمي العربي وهي محسوبة على ما يسمى معسكر الاعتدال والثانية جزء من التشكيل الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وهي المرتبطة بشبكة علاقات إقليمية توفر لها الدعم والرعاية من أطراف فاعلة سياسيا في المنطقة.

واقع الأمر أن السلطتين تستطيعان، لو أرادتا، تسوية الخلافات القائمة بينهما في جلسات حوار في رام الله أو غزة، بدلاً من حمل ملف المصالحة إلى العواصم القريبة والبعيدة.

ومهما قيل ويقال عن جلسات الحوار المنعقدة بين الطرفين حاليا في العاصمة القطرية، فإن مخرجات هذا الحوار لن تؤدي إلى توقيع اتفاق مصالحة يعيد توحيد الحالة السياسية الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني على أساس المحاصصة بين الفصيلين الرئيسين في الساحة الفلسطينية. وإذا تم التوصل إلى هذا الاتفاق وتوقيعه فإنه سيكون اتفاقاً صورياً لن يصار إلى تنفيذه والالتزام به لأن المحاصصة لا تغني عن الشراكة، ولأن لا شراكة تكتسب شرعية شعبية إلا الشراكة في برنامج مقاومة للاحتلال، وليس هذا واردا لدى سلطة رام الله التي تتمسك بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ولا سلطة غزة التي يؤكد قادتها أنهم ليسوا في وارد التفكير بمواجهة قريبة أو بعيدة مع اسرائيل.

وقد سبق حوارات الدوحة حوارات أخرى كثيرة في القاهرة وفي مكة التي توجت نتائجها بالقسم على المصحف ونسيها المتفقون لحظة صعودهم إلى الطائرات التي أقلتهم في رحلة العودة.

باختصار لا فتح السلطة ولا حماس تريد المصالحة، وكلاهما سعيد بالتجميد، ومستفيد من حالة الانقسام التي حولت القضية الفلسطينية من قضية عربية مركزية إلى ملف ملقى على الرف السياسي.

قد يستطيع السوريون والليبيون أن يتوصلوا إلى اتفاقات مرعية دولياً لإنهاء الصراع في الدولتين، لكن الفلسطينيين لن يروا مصالحة حقيقية وقابلة للحياة إلا إذا تم تصنيعها في الداخل، بعيداً عن تأجير المواقف لمراكز الضغط والقوى الإقليمية والدولية المستفيدة من تجميد الصراع مع إسرائيل.