الأربعاء 9 مارس 2016 / 19:18

العجوز والبرد

نعيش هذه الأيام في دولة الإمارات طقساً جميلاً، ننعم فيه ببرد الشتاء، ليكتمل جماله بسقوط الأمطار، وجريان الأودية. حين تجتمع الأمهات والجدات حول المدفأة ويتحدثن عن البرد، فغالبا ما نسمع الجدة تذكر حكاية أو خروفة حسب تعبيرها عن أيام العجوز أو برد العجوز. إن التعبير الأخير هو الشائع في الإمارات، كذلك الأمر في بعض الدول الخليجية وفي العراق.

أما بلاد الشام فتسميها بالأيام المستقرضات أو أيام العجوز. هي سبعة أيام، أربعة منها في نهاية فبراير(شباط)، وثلاثة في أول مارس(آذار). تسبق هذه الأيام دفء وانقطاع للبرد، حتى يظنّ بعض الناس أن البرد قد ولّى وانقضى، لكنه يعود مرة أخرى.

وبالعودة إلى كتب التراث العربي نجد أن هناك من عدّها خمسة أيام، لكن معظمهم أجمعوا على أنها سبعة أيام. بلغ من اهتمامهم بها، أن سمّوا كل يوم باسم، فهم: صن، صنبر، وبر، آمر، مؤتمر، معلل، ومطفي الجمر.

وقيل إن الرشيد سأل الكسائي عن سبب هذه التسمية، فقال له: إن امرأة عجوزا طلبت من أبنائها السبعة تزويجها، فرفضوا، ولما ألّحت عليهم في الأمر اشترطوا عليه أن تجلس فوق الجبل سبع ليال، رغم برودة الجوّ، فجلست سبعة أيام لتموت في يومها الأخير.تقصّ الجدة الإماراتية هذه الخروفة، دون أن تدرك أنها حكاية مطابقة لما جاء في التراث العربي.

أما في بلاد الشام فإنهم يستفيدون من رواية ذكرتها كتب التراث عن أحمد بن يحيى، وفيها أن عجوزا ظنت أن البرد قد انتهى فعمدت إلى جزّ صوف غنمها، لكن عادت الرياح الباردة فمات غنمها. ورواية ثالثة بأن الجميع قد جزّ الصوف إلا العجوز، فسمّيت الأيام باسمها.

كلها حكايات تناقلها الرواة عبر الأيام؛ لتصبح جزءا من التراث الشعبي العربي المتداول حتى الآن. يبقى أن الطريف في الأمر أن أهل الشام قد نقلوا هذه الحكاية الواقعية لجزّ الصوف، ليضيفوا لها تكملة خيالية أسطورية. تبنى الحكاية ما بين غزل المرأة للصوف وقبل موت غنمها بسيل الوادي نتيجة الأمطار الغزيرة. يذكرون أن العجوز الفرحة بانتهاء البرد قرب نهاية فبراير(شباط)، بلغ بها الفرح حدّ السخرية فقالت متحدثة عن الشهور" فات شباط الخباط، وما أخذ مني لا نعجة ولا رباط، وضربنا على ظهره بالمخباط".

غضب منها شهر فبراير(شباط) فاتفق مع شهر مارس(آذار) فقال طالباً منه المساعدة: يا أخوي يا آذار ثلاثتك مع أربعي، تخلي العجوز بالسيل تقرعي. أي أن البرد سيكون أربعة منه في آخر فبراير وثلاثة في مارس؛ لكي يعاقب العجوز الساخرة بأن تخسر غنمها حين تسيل الوديان.
وما دمتُ أذكر العجوز، فإن الشيء بالشيء يذكر كما يقال. لقد اعتدنا أن نسمع الأمهات والجدات وهن يباركن للمرأة بولادتها، فإنهن يداعبن الوليد بقولهن له "الشيبة"، وأما الوليدة فيقلن لها العجوز. يفسرن ذلك بأن الطفل والطفلة يشبهان كبار السّن الذين لا يملكون أسنانا. كما قد يطلق بعض الإماراتيين على زوجاتهن اسم العجوز كمزحة، وإن كانت الزوجة شابة. وهذه هي عادة من عادات العرب القدامى.

*نشر هذا المقال في مجلة "تراث" الإماراتية.