الأحد 27 مارس 2016 / 19:17

التهميش وتفريخ الإرهاب

لم يكن غريباً إزاء ما تجمع من معلومات حول هجمات الثلاثاء الماضي 22/3/2016 في بروكسل، أن تطلق فرنسا والولايات المتحدة تعليقات ساخنة منتقدة بلجيكا. ومن ذلك قول وزير المالية الفرنسي ميشال سابان إن هناك سذاجة بلجيكية في التعاطي مع التشدد. في حين علّقت المرشحة للرئاسة الأمريكية بأن أوروبا تعاني سوء التنظيم والتأخر في الردّ على التهديدات.

بعد الهجوم صرحت عدة دول بأنها قدّمت معلومات لبلجيكيا لكن الأخيرة لم تحسن الربط بينها ولا استخدامها في منع حدوث التفجيرات، في حين ذهبت بعض الدول، منها الولايات المتحدة، إلى أبعد من ذلك بتحذير رعاياها من السّفر إلى أوروبا.

لم تكن التفجيرات إذاً مفاجئة لبلجيكا، بل كانت تعلم منذ ديسمبر(كانون الأول) 2015 بأنها مهددة، لكن هذه التوقعات وما توافر من معلومات استخبارية لم تدفع بالمسؤولين هناك إلى اتخاذ تدابير أمنية تمنع حدوث ذلك. كان بإمكانها تشديد الرقابة على منطقة مولنبيك، وأن تراقب المشتبه بهم، وترصد حركاتهم؛ فمنهم عائدون من سوريا حديثا، بعضهم لديهم أشقاء قتلوا وهم يحاربون مع داعش.

لكن العجيب أن التنسيق الأمني ضعيف بين الأقاليم في بلجيكا لعدة أسباب منها التنوع اللغوي والثقافي. والأعجب أن الوحدة الأوروبية التي تربط بين دول القارة تفتقر إلى التنسيق الأمني الفعال، أضف لذلك ضعف التعاون مع الولايات المتحدة التي وضعت الشقيقين البكراوي ضمن لوائح الإرهابيين لديها.

بعد تفجيرات بروكسل بدأت الأصوات تتعالى بخصوص مكافحة الإرهاب، من خلال الدعوة إلى التنسيق بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، غير أن التعاون لابد أن يشمل دول العالم الأخرى، مادامت القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية تعيث في الأرض فسادا فلا بد أن تكون هناك اجتماعات دورية على المستوى كل منطقة إقليمية مهمة، ليتم بعدها تبادل المعلومات.

ما حدث يوم الثلاثاء الدامي في بلجيكا يشير صراحة إلى أن إهمال الدولة لأي منطقة فيها، لا يأتي إلا بالخراب والدمار، فمنطقة مولنبيك، التي خرج منها الإرهابيون، تعاني من الفقر والبطالة، وبدلا من الاجتهاد في تفاعل هذه المنطقة مع بقية مناطق بلجيكا جرى تهميشها، ونتائج أي تهميش اجتماعي واقتصادي حصاده ثمار مرة. لا ينكر المسؤولون ذلك، فرئيس بلدية مولنبيك فرانسوا شيبمانز، يصفهم بأنهم أناس تركوا ليعيشوا على الهامش دون تساؤل، ربما لا يفكرون بهم الآخرون إلا في فترة الانتخابات بحثا عن أصوات مؤيدة. إنه الفقر والتمييز العنصري، لأن معظمهم مسلمون، ذلك الذي جعل هذه المنطقة تفرخ عددا كبيرا من الإرهابيين، كما أن المتحدث باسم القاعدة في أوروبا قد خرج منها، هو يوسف بلحاج الملقب بأبي دجانة، لذلك لا عجب أن تكون محط الأنظار في السنوات الماضية فيما يتعلق بحوادث الإرهاب في أوروبا، هي كثيرة لا مجال إلا لذكر حادثتين هما تفجيرات مدريد في مارس(آذار) 2004 و باريس في نوفمبر(تشرين الثاني) 2015. لقد انضم من بلجيكا أكثر من 500 مقاتل في صفوف داعش، عاد منهم مئة حسبت التصريحات الرسمية، فأين ذهب هؤلاء؟ وماذا يفعلون الآن؟ وكم جندوا لصفوفهم من مؤيدين ومتعاطفين ، للتستر عليهم ومساعدتهم.

لكن كل الجهود لابد أن تنصب أيضاً لمنع تركز الأقليات والمهمشين في مكان واحد، فهم بحاجة إلى تحسين أحوالهم والتفاعل مع محيطهم،من أجل مستقبلهم والولاء للدول التي احتضنتهم، ذلك الجهد الجبار يحتاج إلى تعاون الحكومة في كل بلد مع مؤسسات المجتمع المدني، و وسائل الإعلام، فالمهمشون يحتاجون إلى الأمل في الغد المشرق، مع إبراز نجاحات أقرانهم، هم بحاجة إلى الاحتضان قبل أن يقعوا في مصيدة الإرهاب.