الأربعاء 20 أبريل 2016 / 18:59

الإعلام العربي الأصفر

أياً كانت الأسباب التي أسست لهذا النوع من الصحافة الرخيصة، الواضح أنها انتشرت وتوسعت واستقطبت شرائح من جميع المستويات في المجتمع لأنها صحافة، ترضي نهم المتابع إلى الفضائح وتروي تعطشه للفضول وتشبع دوافعه لمعرفة الأسرار

جرت العادة على تسمية الصحافة غير المهنية التي تلجأ إلى دغدغة مشاعر القراء، بمجموعة من الفضائح والأخبار المغلوطة وغير المهنية والتي تأخذ حيزا من فكر المشاهد واهتماماته دون ان تقدم له بالمقابل أية قيمة حقيقية وأية مضامين من الممكن أن تخدمه: بالصحافة الصفراء.

والصحافة الصفراء هي صحافة الإثارة من أجل الإثارة، لا تبحث عن الحقيقية، صحافة بعيدة كل البعد عن أي مستوى من الحياد والموضوعية والمهنية في بحثها وفي مضامينها وفي توجهاتها.

وتعود التسمية إلى ما يذكره البعض من أنها كانت تطبع على أوراق صفراء رخيصة الثمن، فيما يقول آخرون أن التسمية تعود إلى القرن التاسع عشر حينما دارت معارك صحافية بين صحافي هو جوزيف بوليتزر من صحيفة نيويورك وورلد وبين الصحافي ويليام راندولف هيرست من صحيفة نيويورك جورنال. واستخدم الصحافيان إيحاءات جنسية في مواضيع جادة، ثم نشرت إحدى المطبوعتين مسلسلاً وكاريكاتوراً بعنوان (الطفل االأصفر) تضمنت أوجه سخرية، ولاقت رواجاً وانتشاراً الأمر الذي جعل صحيفة نيويورك برس ترفض هذا التوجه في العام 1897 وتصف هذا النوع من الصحافة بالصحافة الصفراء.

ويرى البعض أن الناشر والصحافي ويليام راندولف هيرست ساعد على نشأة الصحافة الصفراء لأنه من كان يمتلك الصحيفة التي تخصصت في هذه النوعية من الأخبار.

وأياً كانت الأسباب التي أسست لهذا النوع من الصحافة الرخيصة، الواضح أنها انتشرت وتوسعت واستقطبت شرائح من جميع المستويات في المجتمع لأنها صحافة، ترضي نهم المتابع إلى الفضائح وتروي تعطشه للفضول وتشبع دوافعه لمعرفة الأسرار.

والمتتبع للمشهد العربي يرى أن الصحافة الصفراء انتقلت من المطبوعات الورقية والصحافة المقروءة وأصبحت هي المادة التحريرية اليومية المتلفزة عبر عشرات من البرامج اليومية التي أصبحت إعلاماً تلفزيونياً أصفر، وأن المادة الصفراء التي تصنع منها تلك الصحافة امتدت من برامج التوك شو، إلى مواقع التواصل الاجتماعي بكل صورها وأشكالها وبرامجها، فأصبحنا محاطين بإعلام أصفر إفرازاته لها تأثير سيئ على جميع نواحي الحياة وسلامة الأفراد العقلية والنفسية والاجتماعية.

الإعلام العربي أصبح أصفر لأنه إعلام يميل إلى التهويل والمبالغة والتخويف والترويع وتلفيق الأخبار وإدعاء المعرفة، وصناعة العناوين وفبركتها.

والإعلام العربي أصبح أصفر لأنه ترك رسالته وتنازل عن مهمته في التنوير والتوعية وتشكيل الوعي والوجدان واتجه إلى أخبار الجريمة والقتل والجنس وملاحقة جميع أشكال الفساد بطروحات لا تعالج ولكنها تستثمر وتوظف الحدث من أجل التهييج والشحن وإثارة الاحتقان فالهدف مادي وربحي والطريق الوحيد هو استثارة المشاهدين واجتذاب أكبر نسبة من المشاهدة.

والإعلام العربي أصبح أصفر لأنه إعلام تخصص وعبر قنوات تنطلق يومياً مهمتها الأساسية الترويج للسحر والشعوذة وسيطرة الجن على حياتنا وتسويق الخرافات بكل أشكالها وقراءة الطالع. وهو إعلام أصفر لأنه إعلام يتاجر بالدين، ليقدم برامج تعطل العقل، وهو أصفر لأنه سطحي وتافه، يبني له قيمة من التغذي على المشكلات وصناعة الأزمات والاسترزاق من المعلومة الرخيصة.

والإعلام العربي إعلام أصفر لأنه، لا يهتم بمصدر الأخبار، إنه يصنعه بناء على تجهيل المصدر أو ترديد الإشاعات أو تتبع الأخبار من المواقع الالكترونية واعتمادها، وهي في مجملها أخبار مسروقة بدون أية مصداقية.

والإعلام العربي إعلام أصفر لأنه يصر على ان يخاطب الغرائز ويتجاهل العقل، ويتبنى الصورة الحسية والمفردات الجنسية التي يبني عليها سخرية في برامج تسمى برامج ساخرة، وهي عقيمة إلا من إنتاج التفاهة وحالة الإفلاس والفراغ الذهني، من أجل مزيد من تغييب الوعي والإدراك ومن تشكيل السلوكيات على قيم هابطة وثقافات سلبية.

والإعلام العربي أصبح أصفر لأنه إعلام يقوم في بعض أوجهه على الابتزاز العاطفي والابتزاز السياسي لأنه لا يتوانى عن صناعة صور مشوهة، من أجل تصفية حسابات شخصية أو من أجل المنافسة على مكتسبات أو من أجل تشكيل جماعة ضغط مهمتها المنفعة الشخصية لا المصلحة العامة.

وهو إعلام أصفر لأنه يتعمد القراءات المغلوطة، والإساءات المتعمدة، والطعن المقنن لشخصيات ووجوه من أجل أهداف شخصية، إضافة إلى إدعاء العلم بالأشياء بتلفيق قصص غير واقعية.

والإعلام العربي إعلام أصفر لأنه يصنع الطائفية ويؤجج المذهبية، ويدعو للتعصب، ويصنع الخلافات بين الشعوب ويرعى نشأتها ويتعهدها بالرعاية المسمومة عبر رسائل ضمنية، خبيثة وعبر استضافة أسماء مهمتها شرخ العلاقات بين نسيج الشعوب العربية بصورة عامة أو بين أبناء الشعب العربي الواحد، بطروحات عشوائية أو مقصودة.

الإعلام العربي أصبح إعلاماً أصفر، وهو إعلام يتمدد، دون منافسة حقيقية تستطيع مواجهة طوفان حقيقي اسمه: الإعلام العربي الأصفر.