السبت 23 أبريل 2016 / 22:23

هل نعيش الحياة فعلاً أم نشاهدها؟!

أدرك الإنسان منذ القدم أهمية الوقت في حياته، لذلك كثرت الأمثال التي تشبه الوقت بالمال وبالذهب، وبالسيف القاطع الذي يفصل بين زمن مضى، وزمن آت؛ لذلك لابد من استغلاله فيما يفيد في إنجاز الأعمال والمسؤوليات المتعددة؛ لذلك يحاول الكثيرون الإسراع لإنجاز المزيد والمزيد.

مع سهولة التواصل بين البشر وتنقلهم في أنحاء المعمورة، غدا العالم قرية صغيرة، كثرت الشعارات التي رُفعت بعد منتصف القرن العشرين مثل عصر السرعة وسباق الزمن، إلا أن بعض الحكماء يؤمنون بالمثل الإنجليزي بأن الجودة والسرعة قلما تجتمعان، وبالمثل العربي من أسرع كثر عثاره، إلا أن الإنسان مضى مستعجلا لتسريع العمل بصنع وسائل مواصلات فائقة السرعة، والآلات التي تعينه على الإنجاز السريع في مختلف مجالات الحياة.

لعل ما ذكرني بذلك كلّه ما كُتب مؤخرا في الملحق الثقافي في جريدة الاتحاد عن الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو، الذي يرى أن السرعة تلتهم الزمن متسببة في وقوع الكثير من الكوارث السياسية والاقتصادية وغيرها، ليصبح الإنسان عبدا للسرعة وأول ضحاياها، مستشهدا على ذلك بأمثلة كثيرة.

إذا كان الجيل الذي ولد في الثلث الأخير من القرن العشرين يدرك وطأة السرعة وآثارها، فكيف بأبناء عصر السرعة الفائقة؟ هم قد كبروا حاملين في أيديهم معظم وسائل التقنية الحديثة، من هواتف ذكية وبرامج الكترونية متطورة. هم لم يحتاجوا إلى دورات لمعرفة طريقة تشغيلها وأسرارها وكيفية إصلاحها؛ لأنها متوافرة في كل مكان في المدارس والمؤسسات. هؤلاء يبحثون عن أسرع الطرق في إنجاز أعمالهم؛ لأن التأني وليس البطء هو ضياع وخسارة لهم.

إن معظم الناس وخاصة الشباب يشعرون بالضياع والحيرة، إن كانوا في مكان لا يمكن لهم أن يتصلوا بالشبكة العنكبوتية( الانترنت)، تلاحظ ضجرهم وتبرمهم، محاولين الخروج من هذا المكان في أسرع وقت؛ لأنهم يعتمدون على الانترنت اعتمادا أساسيا، فهو المصدر الأول ويكاد يكون وحيدا في تلقي المعلومات والأخبار، والتواصل مع الآخرين، لا يطيقون انقطاعه لدقيقة واحدة، فالانقطاع يعادل بالنسبة لهم الملل والضيق؛ لأن وتيرة السرعة قد قلت، فالإنترنت بالنسبة لهم هو سريع في البحث عما يثير تساؤلهم، وكثيرا ما يعتمدون عليه في إنجاز بحوثهم وتقاريرهم مع إهمال مصادر أخرى مهمة.

ليست الإشكالية في وجود مصدر واحد فحسب وإنما في مدى دقته وصحته، تحت وطأة السرعة الفائقة و الرغبة في اصطياد الخبر المثير أو الجديد ؛ ليتحول الكثيرون في وسائل الإعلام الاجتماعي بشكل أو بآخر إلى إعلاميين غير محترفين، ينقلون الخبر دون التحقق من صحته؛ لأن السرعة صارت أهم من الخبر ومدى دقته وصحته؛ لذلك كثرت الإشاعات وازداد سوء الفهم، مما يجعل بعض وسائل الإعلام تنفي هذه الأخبار أو تصححها.

وأمر آخر جدير بالانتباه هو التفاعل السلبي حيث تحول عدد كبير من الأشخاص إلى متفرجين للحياة، للأسف منهم أطفال صغار، لم يبلغوا الثالثة من أعمارهم، يعطيهم أهلهم الهاتف أو الكمبيوتر اللوحي بغية إشغالهم بأيّ شيء. إن متابعة الإعلام الاجتماعي ليس مشكلة في حد ذاتها، لكن ضياع وقت طويل في مشاهدة لقطات الفيديو والصور من خلال توتير والانستغرام والسناب شات. مثل مشاهدة الطبخ لفترات دون أن يطبخ الشخص أو حتى يعرف ماذا يجهز في مطبخ بيته، أضف لذلك متابعة الأطفال لحلقات من الفيديو لأطفال يلعبون في الحديقة ويسبحون بدلا من لعب الأطفال في الحديقة مثلا مع أقرانهم، أو الشاب الذي يتابع أصدقاءه على السناب، وهم يمرحون في أحد الأماكن أو هم جالسون في المقهى، فيتعرف على أخبارهم وحكاياتهم، فإلى متى نشاهد الحياة ولا نعيشها فعلياً؟