السبت 23 أبريل 2016 / 23:10

في يوم الكتاب.. تأملات في القلم والسيف ومصائر العرب

من اللافت أن يجيء الاحتفال باليوم العالمي للكتاب هذا العام بالتزامن مع اجتماع المفاوضات اليمنية في الكويت، وليس ثمة من يدري إن كان ذلك التزامن باعثاً على التفاؤل أم على التشاؤم، إذا ما فهمنا أن الكتاب رمز للعقل والبصيرة، ومصدر من مصادر السلم، فالمعاهدات لا تكتب إلا بالأقلام ولا تخط إلا بالحروف واتفاقات السلم لا تكون إلا بعدما تتكسر النصال وتتثلّم السيوف.

لقد عايش الجميع الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية في العالم العربي، في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، وهي صراعات لا تنهض بمشروع ولا تقدم رؤية مستقبلية ولا تستطيع أن تقود إلى سلم ولا إلى سلام، وكل ما تستطيع فعله المزيد من إراقة الدم والخراب دون أن تستطيع فئة من الفئات المتصارعة حسم الصراع لصالحها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ونحن في خضم الاحتفال باليوم العالمي للكتاب، وفي اليوم الأول من اجتماع اليمنيين للتفاوض واجتماع السوريين في بحثهم عن دولتهم المضاعة أو فردوسهم المفقود، هل العلاقة بين السيف والقلم كما كانت تطرح في موروثنا العربي علاقة بين اللونين الابيض والأسود؟ بحيث يكون الكتاب رمزا للعلم والمعرفة والعقل لا الجهل، ويكون السيف رمزا للدمار والخراب؟ ليست العلاقة حدية إلى هذا القدر بل هي علاقة متداخلة ومركبة، فإنّ الحرب مبدؤها كلام كما قال نصر بن سيار، وهو يحذر من اندلاع الحرب. الحرب فكرة تتبلور وتوضع لها الحيثيات ويتحدث عنها الظالم والمظلوم والمنتصر والمهزوم على حد سواء.

لكننا نقول أيضاً ونحن في اليوم العالمي للكتاب بأنّ الكتاب الجاد المدافع عن الحق والخير والجمال ظل من أهم العوامل التي تكبح وقوع الحرب، هذا كان ديدن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، إذ ومعها الإمارات، كانت توازن بين الحزم بما هو رمز للقوة والأمل بما هو رمز للنور الإنساني.

أما الكتب التي كانت السيوف أصدق منها، كما قال أبو تمام، فهي كتب الخرافات والمنجمين والسحرة وهي تشبه إلى حد كبير فكر المتشددين والمتطرفين والإرهابيين المتسترين بشعارات دينية، فالغرائز لا تتحرك إلا للسيوف والمدافع أما العقل الذي يعد معطى من معطيات القراءة والفهم والوعي، فإنه ينبض ويبرق بالكتاب، فغياب القلم وتفشي الجهل بدل المعرفة في العالم العربي جعل السيوف تتقدم وتحتل المرتبة الاولى، ورغم دعوات العقلاء المستمرة إلا أن السيف قد تقدم ولا نكاد نرى للقلم كبير وزن عند المتشددين، مع أن الله سبحانه وتعالى، أقسم به في كتابه الكريم وبين أنه "علّم بالقلم".

لقد أسهم القلم والكتاب في العصور الذهبية للأمم في توطيد أركان الدول وبنيانها التنموي وتأسيسها على العقل والعلم لا على الجهل، لكن العرب ضيعوا فرصاً ذهبية شتى، فحرقوا الكتب وكسروا الأقلام، ونتذكر جيدا ماذا فعلت داعش ومن لف لفها بالمكتبات وتماثيل العلماء والأدباء.
لم تعد الأقلام في تلك المناطق المتناحرة تجد لها مكانا اليوم، إذ المستقبل فيها للسيف لا للقلم، بما أنه رمز للقوة التي تقوم على المعرفة، ولو كان الحوثيون قد تعلموا من دروس التاريخ التي دونها القلم، أفتكون ثمة حاجة لجلوسهم اليوم على طاولة التفاوض؟ لا، لأنه ما كان سيكون للاحتراب والصراع في ظلال العلم مكان.

يجيء يوم الكتاب العالمي ليذكر هؤلاء وخاصة الحوثيين وأنصار صالح، بأن يجردوا أقلامهم لا سيوفهم المستوردة لتكتب كتاب السلام والسلم، وليلقوا عنهم بعيداً أقلام الظلاميين المستوردة من إيران، فهي لا تنتمي للعلم ولا تصنع عقلا، ولا تقيم دولة ولا تدون كتاباً للمحبة والسلم والسلام.

ففي هذا اليوم يجتمع اليمنيون ليفاوضوا على سلام لم يكتب بعد، وفي مثل هذا اليوم نحتفل جميعاً بيوم الكتاب العالمي الذي ازدهر في وقت السلم، وعلينا أن نحمي أوطاننا من الجهل ونتشبث بالعلم ونتمسك بالقلم والكتاب ونرعى أوطاننا ونحميها حتى تستمر في ازدهارها وتطورها.
هل ثمة عقل مازال ينبض في أجساد الفرقاء المتقاتلين من الحوثيين وأنصار صالح ليعيد تشكيل بصائرهم فيطردوا عنهم كوابيس الجهل وعواصف الحرب ومآسي الصراعات الدينية؟

بالمعرفة وبالقلم، ونحن في يوم الكتاب العالمي، نستطيع أن نقود حربا من أجل استنارة العقل ضد الجهل والظلام الذي عكر صفو المنطقة جراء المتشددين والمتطرفين والإرهابيين، ولعل تأمل التراث الإنساني والشعر العربي والسرد القديم والحديث، يصور لنا اللحظات التي أخفق فيها القلم وتأخر، ليتقدم السيف وحده مغيّبا العقل، وهنا اندفع طوفان الموت والصراعات الدينية التي لا أول لها ولا آخر وانبثقت براكين الكراهية وتصاعدت حمم العنف.

ونحن في اليوم العالمي للكتاب، فإن يقظة محبة القلم بما هو رمز للكتاب، يجعلنا ونحن نعايش الدمار والخراب ينعشان في أجزاء من العالم العربي نفضّل القلم على السيف والعقل على النقل والعلم على الجهل، ونعيد كتابة الحكم وتحريرها من جديد لتناسب مقام العرب المعاصر الذي ضيع الدنيا والدين وضيع القلم والسيف:

1- إن القلم مثل السيف له حد.
2- إذا مات القلم ظلّ السيف بلا شقيق، فما بالكم إن مات الشقيقان.
3- إن كان السيف أصدق إنباء من الكتب، ولا يصلح إلا لذلك فإن القلم يصلح لكل شيء حتى للإنباء.
4- لو كان السيف يعقل مثل القلم ما حمله المجانين، مع الاعتذار لمهيار الديلمي.
5- في الخسارات تتشابه زلة السيف بزلة القلم، فإن زلت سيوفكم لا تجعلوا عقولكم تزل.
6- إن القلم منذ القديم كان ينزف، ولا يحتاج إلى سيف، ثمة فرصة لنوقف نزيفه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
7- من يرفع السيف قد ينهزم لكن قولوا لي منذ متى انهزم من يرفع القلم!
8- بالسيف لا تمتلك الحرية، وبإمكانكم امتلاكها بالقلم، وبمعنى آخر فماء الحرية حبر من قلم لا يد مضرجة بالدم.
9- القانون الذي يكتب بالسيف سرعان ما ينسى، ولذا نحن بحاجة إلى قلم حتى يحفظ القانون من الضياع.
10- عقول الناس تبرزها الأقلام وتضيعها السيوف.
11- بالقلم يزدهر المستقبل الإنساني وبالسيف يزدهر المستقبل البهيمي.
12- لا تعمل السيوف إلا في المشاهد الإباحية لكن الأقلام تعمل في شتى المشاهد.
13- إذا تكاتف السيف مع القلم فثمة سيد وعبد، فالقوا بسيوفكم، فالعقل هو الذي يجمع.
14- السلام لا يدون بالسيف بل بالقلم، ولذا قدموا أقلامكم واتركوا مجانينكم بعيداً في الحظيرة.
15- لا تقرّبوا السيف من الوشي، فلله در القلم كيف يحوك وشي الدولة.
16- عقول الرجال تحت أقلامها وغريزتهم تحت سيوفها.