الثلاثاء 26 أبريل 2016 / 18:35

التطرف الآتي من الغرب

المتشدد محاصر، فهو يدرك أن الناس لم تعد تقف بخوف وهيبة أمام مقولات وشعارات مثل "لحوم العلماء مسمومة" وغيرها، ولذلك فهو يحاول الدفاع بيأس عن مكتسابه وسلطته، وإن كان ذلك عبر تزوير معنى تصريحات المسؤولين المؤثرين

قبل أيام صرح مسؤول إماراتي كبير بأن "خطاب التطرف والكراهية الصادر من الغرب، والمحرض لأبنائنا أكبر بكثير من الذي نراه في دولنا". التصريح واضح في معناه، وهو أن خطورة وشدة صراخ الخطاب الديني المتطرف والذي انتشر بين شباب المسلمين المهاجرين بتحريض من منظمات الإسلام السياسي والجمعيات الدعوية التي تعتنق فكراً وعقيدةً تقدس الماضي وأهل الماضي، يفوق في جاذبيته وتلويثه لعقول وقلوب الشباب المسلم حول العالم، ما يفعله الخطاب الديني النابع من العالم العربي.

ما حدث بعدها كان مثيراً للضحك، وفي الوقت نفسه يثير الحزن في النفس. فقد بدأ الكثير من أصحاب التوجهات المتشددة بتداول التصريح مع تعليقات وتفسيرات اخترعوها في عقولهم، مثل : هذا دليل على أن الحضارة الغربية هي أصل التطرف والكراهية والإرهاب، أو مثل : لماذا لا يتحدث ويكتب المثقفون العرب عن تطرف الغرب وإرهابه؟

ولكن، وبدلاً من أن نتحدث بقرف عن انتهازية هؤلاء المتشددين، أو أن نشرح تهافتهم ومنطقهم وحججهم، تعالوا نحاول أن نضع أنفسنا في مكانهم ولو للحظة قصيرة.

يصحو المتشدد يومياً على ضغط نفسي وأرق كبير. داعش التي يشترك معها في الكثير من المبادئ والمعتقدات، لا تقوم بعمل جيد من ناحية تلميع صورة الفكر والعقيدة التي يشتركان فيها، (رغم أن أكثر المتشددين سينفون فوراً علاقتهم مع داعش وغيرها). وبعد أن يخلص المتشدد من صباحيته النكدية المتمثلة كما أسلفنا في مراقبًة أخبار داعش وأخواتها، فإنه يقوم على مهل وبتأفف بتصفح أبرز ما تحمله مواقع الإعلام الإجتماعي وأحياناً الإعلام التقليدي من نقد لاذع أو سخرية أو التقاطات لبعض آثار الفكر المتشدد على أرض الواقع وفي حياة الناس. كما أنه يعود إلى منزله الذي بناه في الغالب مجموعة من العمال الهندوس والسيخ ليجد أفراد عائلته وهم يشاهدون فيلم يصور الحياة الجميلة في مكان آخر، أو يقرؤون رواية تحكي مظالم المتشددين وتشويهمم للحياة والدين.

المتشدد محاصر، فهو يدرك أن الناس لم تعد تقف بخوف وهيبة أمام مقولات وشعارات مثل "لحوم العلماء مسمومة" وغيرها، ولذلك فهو يحاول الدفاع بيأس عن مكتسابه وسلطته، وإن كان ذلك عبر تزوير معنى تصريحات المسؤولين المؤثرين. هذا لا يعني أن التشدد على وشك أن يختفي من حياتنا في العالم العربي. مرت عشرات السنين من نشر وتلقين الفكر المتشدد ورصد وتسخير مختلف الموارد الضخمة له، ولا تزال التربة العربية تحتوي بذوره بغزارة، ولا يزال العقل اللاواعي لأغلب الناس سواء كانوا متعلمين أم مسؤولين أم بسطاء، يحمل لطخات عميقة من التشدد.

لنرجع للحديث عن التطرف القادم من الغرب، ولنقرأ هذين المثالين المختلفين عن بعضهما. يحكى في كتب التراث العربي أن الرحالة ابن جبير عندما زار جزيرة صقلية جنوب إيطاليا وغيرها من الأراضي الأوروبية، لم يعرب عن أي تقدير أو اهتمام بثقافة سكان تلك المناطق أو حياتهم ومؤسساتهم، بل أنه لم يكف عن استنزال لعنات الله على أولئك الكفرة. من جانب آخر يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله "إن الفارق العظيم بين العلاقة التي ربطت اليابان بالحضارة الغربية، وعلاقتنا بها، أن اليابان وقفت موقف التلميذ، ووقفنا نحن موقف الزبون".

ذكرت هذين المثالين، لكي أحدد بوضوح بأنه لدينا ومنذ زمن طويل عادة سيئة وهي القاء اللوم على الآخرين في أخطائنا، وأن البعض منا يستغل هذه العادة لأغراضه الفكرية أو السياسية والتي لن تزيدنا إلا تشوشاً في التعامل مع أنفسنا والآخرين.