الثلاثاء 26 أبريل 2016 / 18:33

رؤية السعودية 2030: الاصلاح الكبير

تأتي رؤية السعودية 2030، التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي أمس الإثنين، وشرح بعض تفاصيلها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته على العربية، لتجيب عن أسئلة هامسة أو علانية، طرحها بعضهم بحسن نيّة وبعضهم الآخر في توظيف سياسي وأيديولوجي معروف الأهداف، تتمحور في معظمها حول الدور الإقليمي المتنامي للمملكة العربية السعودية، خصوصاً في ملفات ساخنة مثل اليمن وسوريا، في مقابل ملفات وتحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية داخلية متراكمة أو مستجدّة بفعل التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم. فهل تغامر المملكة بتأجيل أو تجاهل هذه التحديات الداخلية على حساب تلك الخارجية؟

رؤية السعودية 2030 جاءت لتجيب عن هذا السؤال، ولتقول للمواطن السعودي أولاً، ثم للعالم، إن المملكة قادرة على خوض غمار هذا التحدي المزدوج، الداخلي والخارجي معاً، بل إن ثقل السعودية ووزنها المتزايد على الساحة السياسية العالمية، وقرارها الانخراط الجريء في محاولة عكس الاتجاه السائد، وهو ما تبدّى أكثر ما تبدّى في اليمن، ولكن في ملفات أخرى هامة أيضاً، ليس أقلها إعادة رسم شروط العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، كل هذا يفرض على قيادة المملكة الخروج برؤى مبتكرة قادرة على مواصلة لعب هذا الدور الحيوي القيادي، وفي الوقت نفسه عدم التشاغل بهذا الدور عن القيام بالإصلاح المطلوب داخل المملكة نفسها، وفي هذا كله نجحت السعودية الجديدة، كما بات كثر يسمونها بعد الإعلان عن رؤية 2030، في أن تستفيد من قوة الدفع الشبابية لديها والرغبة العارمة في التغيير، باتجاه إشراك مواطنيها للاستثمار الآن، وقبل فوات الأوان، في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

ولعلّ ما نشهده اليوم من حراك سعودي لافت على المستويات كافة، هو أيضاً إجابة المملكة، ومعها الإمارات العربية المتحدة، على التحديات التي فرضها ما يسمى "الربيع العربي" والاستنزاف الهائل الذي تسبّب به الخراب والفوضى اللذان حلا في عدد من الدول العربية، وبالتالي التنبّه إلى أنه لا يمكن لدولة في العالم اليوم، وبطبيعة الحال في العالم العربي، أن تمضي في إدارة شؤونها ورسم سياساتها وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن ما يحدث في بلد قريب أو بعيد، عربي أو أجنبي، لن تكون له تأثيراته على المشهد الداخلي في نهاية المطاف.

فالسعودية، في سلسلة القرارات التي اتخذتها والخطط والسياسات التي أعلنت عنها، تترجم قناعة يبدو أنها باتت راسخة لدى قيادة المملكة، بأن الرهان على القوى الخارجية، حتى في تحديد الخيارات الاقتصادية، ومهما بلغ حجم وتأثير تلك القوى، هو طريق طويل غير مؤكد النتائج، وأن على الدول الراغبة بالفعل في أن تكون جزءاً فاعلاً في الراهن الشديد التعقيد، أن تتولى أمرها بنفسها، وأن تمتلك من الشجاعة والجرأة والحكمة ما يكفي للمضي قدماً في تحويل ذلك إلى خطوات عملية وملموسة. ولنا في حال الخذلان العربي غير الجديد لكن الفاقع، من الولايات المتحدة، تجاه قضايا محورية، ولاسيما سوريا وفلسطين، مثال ناصع على أن القرار العربي (القرار الجماعي، وأيضاً قرار كل دولة عربية على حدة) لا يستطيع انتظار موازين القوى والحسابات الأنانية للدول العظمى، لكي يوضع حيّز التنفيذ.

عملية الإصلاح الكبير الذي أطلقته المملكة الأمس، تهمّ كلّ مواطن خليجي وعربي، وليس المواطن السعودي فقط، لأنها سترسم مجدداً دور المملكة القيادي في المنطقة، والأهم من ذلك لأنها تشكّل أفضل جواب على "انسحاب" العالم ووقوفه موقفاً سلبياً، سواء بالتدخل المصلحي الضيق الأفق في هذه الساحة أو تلك، أو بانتهاج سياسة عدم التدخل، وهنا تتجسد أهمية الدور الذي يقوم به الأمير محمد بن سلمان، في إيصال الرسالة المناسبة بأن العرب ملوا الانتظار وسئموا المساومات، وبدأوا الخطوات الشجاعة لأخذ زمام المبادرة بأنفسهم وقيادة عجلة التغيير المحتوم.