الخميس 28 أبريل 2016 / 19:45

حقوق الإنسان المفكّر

1
احتفل العالم الحيّ باليوم العالمي للمِلْكِيَّة الفكرية ويحتفل في الثالث والعشرين من نيسان من كل سنة، ولكن، في أغلب أقطارنا العربية يمرّ هذا اليوم من نيسان مجلّلاً بالنسيان.

2
في العالم العربي لا بد من أن نشير إلى أنّ الملكية الفكرية مسألة تقع خارج دائرة الوعي، لانها تتعلق بما هو غير مفهوم. فما معنى الملكية الفكرية عند عموم الناس؟

إنها لا تعني ما تعنيه في العالم الحيّ الحرّ الذي يدافع عن حقوق المبدع ، والمؤلف والمخترع والمبتكر في جميع الفنون. فهؤلاء الذين ذكرنا من صنّاع الفكر والخيال والعلم والحلم والإبداع، في نظر بلاد العالم الحيّ، هم كائنات تستحق أن تحيا، وأن تعتاش من تأليفها في أي مجال من مجالات الخلق والإبداع. ولا بد للخلق من توفير شروط حياة قوامها التفرغ التام للإبداع وإنتاج المعرفة والجمال.

لكن الوطن العربي، فهو، بمختلف أقطاره، لا يستوعب هذه المسألة، فلا يفهم معنى التفرّغ والإنصراف الكلي إلى إعمال الفكر والخيال فيسيل الإبداع. 

3
الأغرب أن المحامين في قضايا الملكية الفكرية في الأقطار العربية نادرون جدًّاً، لأنهم لا يفهمونها، ولا يستوعبونها كما يستوعبون فكرة أن يسطو إنسان على أملاك عينية لإنسان آخر، كأن يسرق له بعيراً أو جوالاً أو ينتشل حافظة نقود أو يعتدي على أرضه، أو قضايا الطلاق والنفقة والغرامات المالية.

وأمّا الملكية الفكرية، فلا نصيب لها من الفهم والإستيعاب لدى المحامين، وذلك لأن القضايا نادرة بالأساس.

وقلّ أن يشتكي كاتب من المؤلفين من أحد الناشرين اللصوص الذين يزوّرون الطبعات ، فلا الكاتب قادر على أن يعرف عدد النسخ مثلاً  التي استخرجها الناشر ولا هو قادر على مراقبة عمليات البيع والاستخلاص.

4
لقد احسستُ بأهمية الحقوق الفكرية في العالم الحيّ عندما زرتُ معرض فرانكفورت في ألمانيا، ولقد علمت ورأيتُ أن المعرض مفتوح أساساً لعرض الكتب ولإنجاز العقود مع المؤلف والناشر والمترجم وفيه تُعقَد الصفقات ويطلع أقطاب سوق الكتاب وفقهاء النشر والترويج على الجديد في عالم الطباعة والتأليف.

وأما عموم الجمهور من القرّاء فلا نصيب لهم في المعرض إلا في اليوم الأخير. وما معرض فرانكفورت العالمي بحق إلا واجهة تجارية وحضارية في آن واحد لما وصلت إليه الإنسانية قاطبة في مجال حقوق الملكية الفكرية في العالم.

5
إن حقوق الملكية الفكرية كانت شاغل الكتاب الأوائل أيضا ، ولنا أن نقرأ فقرة تكررت في كتاب المسعودي( ت ٣٤٦ه) " مروج الذهب ومعادن الجوهر " حيث نراه يكتب كلاماً شبيهاً بدعاء العجائز بالشر على من يسطو على حقه في تأليف كتابه ، وهو كلام يكاد يتطاير منه الشرر ومن ضمن ما جاء فيه هذا الكلام : "فمَنْ حَرَّف شيئاً من معناه، (كتابه مروج الذهب) أو أزال رُكنًا من مبناه، أو طمس واضحةً من معالمهِ، أو لَبَّس شاهدةً من تراجمه، أو غيَّره أو بدّله، أو انتخبه أو اختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سِوانا، فوافاه من غضب الله، وسرعة نقمته وفَوَادِحِ بَلاَيَاه، ما يعجز عن صبره، ويحار له فكره، وجعله مُثْلَةً للعالمين، وعِبْرَة للمعتبرين، وآية للمتوسّمين، وسَلَبَه الله ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه من قوّة ونعمة مُبْدِع السموات والأرض، من أيّ الْمِلَلِ كان والآراء، إنه على كلّ شيء قدير، وقد جَعَلْتُ هذا التخويف في أوّل كتابي هذا وآخره".

6
إن حكايا هضم حقوق التأليف كثيرة في عالمنا العربي. غير أن لا مناص من الإشادة ببعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة التي تحرص على الإلتزام العالمي بحقوق الملكية الفكرية لأنها قررت الدخول باحترام الى نادي الحضارة.

وما الحضارة إلا حقوق تبدأ أيضاً من احترام حقوق الملكية الفكرية،  أي حقوق الانسان المفكر.

7
قال: كم يودّ المرء أن يكون متفائلاً بالمستقبل حتى لا يسمع حكايات حزينة عن كُتَّاب ومؤلفين وعباقرة ومبدعين ومخترعين ماتوا في المنفى مكرمين مبجلين لأنهم رفضوا أن يعيشوا في أوطانهم بلا حقوق، وذلك حتى لا يشعروا بأنهم ، وهم في أوطانهم، في قلب المنفى.

وكل الأمل...

كل المأمول هو أن تعود فكرة حقوق الملكية، ومحكمتها، ومحاموها ، وقاضيها من المنفى إلى ديار العرب.