جسر الملك سلمان بين السعودية ومصر(غوغل)
جسر الملك سلمان بين السعودية ومصر(غوغل)
الأربعاء 4 مايو 2016 / 16:40

بالصورة: كيف يُلغي جسر الملك سلمان أي تهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز

24- إعداد سليم ضيف الله

منذ إعلان الاتفاق على إقامة جسر الملك سلمان بين السعودية ومصر، بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة إلى مصر، أصبح الجسر المنتظر، أكبر تحدٍ ترفعه السعودية ومصر ومعهما دول الخليج المنتجة والمصدرة للنفط والغاز، باستثناء عمان جنوباً والعراق شمالاً، في وجه إيران التي جعلت من مضيق هرمز في مرمى تهديداتها، واعتداءاتها مثلما حصل زمن الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي.

والصراع بين دول الخليج عموماً والسعودية تحديداً مع إيران، يتجاوز وبكثير التحليل والتضليل السطحي الذي يحاول تقديم الخلاف على أنه خلاف مذهبي ونفوذ في المنطقة، وهو ما تفنده الوقائع والمعطيات والتاريخ الحديث، بما أنه صراع جيواستراتيجي على أكبر وأهم مصادر الطاقة في العالم، الخليج ونفطه، والمنطقة الشرقية السعودية بشكل خاص، التي تؤمن القسط الأكبر من الإنتاج النفطي اليومي السعودي، الذي يعادل تقريباً 10 ملايين برميل يومياً.

جيواستراتيجي وليس طائفياً
باستهدافها السعودية والمنطقة الشرقية وإلى جانب البحرين المجاورة، فإن هدف إيران الحقيقي من التدخل في السعودية، هو الكنز البترولي الضخم الذي يجعل منها أكبر منتجي النفط في العالم، كماً وانتظاماً وبالتالي أثرى الدول النفطية على الإطلاق، بحوالي 800 مليار دولار من الأصول أو الثروة المتراكمة في صندوقين سياديين سعوديين.

وفي المُقابل أي على الضفة المقابلة للمنطقة الشرقية، تقع إيران المنتج الكبير الآخر، الذي حاول منذ الثمانينات التأثير على "الكنز النفطي السعودي" بإغلاق مضيق هرمز عملياً بعد إطلاقه حرب الناقلات النفطية، وتهديده المنطقة الشرقية السعودية، على ضفاف الخليج، والذي يربط شبكة ضخمة من خطوط نقل النفط من الآبار إلى محطة رأس تنورة العملاقة لتصدير النفط.

مضيق هُرمز
ولكن إيران التي تُعاني منذ سنوات طويلة من تراجع إيراداتها ومداخيلها النفطية، الأمر الذي تفاقم مع الخلافات التي انتهت إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة، ثم تجميد أصولها في الخارج والتي تعادل حالياً 150 مليار دولار في الولايات المتحدة، وتمثل تقريباً 90% من أصولها المجمدة في الخارج، تسعى في الظرف الحالي إلى التأثير على التفوق المالي والاقتصادي الخليجي والسعودي، مقارنةً مع الإمكانات المتوفرة على ضفتي الخليج، ومقارنةً بالاحتياجات وديموغرافيا دول الخليج وإيران، إلى حرمان السعودية من ميزتها النفطية، للتأثير على مواردها المالية الثابتة من جهتها ومحاولة التأثير على أسواق النفط الدولية، وزعزعة استقرارها ومصداقية دول الخليج، بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز، التهديد الذي عاد بقوة في الخطاب السياسي الإيراني هذه الأيام، وآخره الخطاب العدواني لقائد الحرس الثوري الإيراني مساء الثلاثاء.

ولكن السعودية ومن ورائها دول الخليج كافةً تملك ميزة جودة ووفرة ورخص النفط العربي، وبالتالي مردوده العالي حتى في الأوقات الصعب، تحرص على تأمين التدفقات النفطية، وانتظام إيراداتها المالية، وتجنيب الاقتصاد العالمي هزة عنيفة، بسبب تهديد إمدادات التي يُمكنها أن تطير بسعر النفظ كما يقول الخبير المكسيكي ألفريدو خليفة رحمة، في تقرير نشرته صحيفة لاخورنادا المكسيكية في فبراير(شباط) الماضي إلى "مستوى 200 دولارٍ، للبرميل" ما يعني زلزالاً اقتصادياً ومالياً عالمياً.

ميزة ثانية
ولكنها تملك أيضاً ميزة أخرى لا تتوفر لإيران، ولن تتوفر، الواجهة البحرية الثانية على البحر الأحمر، التي شكلت ملاذاً وبديلاً مثالياً، عن مياه الخليج لتصدير النفط، وهو ما تُدركه إيران ولا ترغب فيه بأي حال من الأحوال، وهو أيضاً الذي انتبهت له المملكة منذ 1981، في أوج حرب الناقلات التي أججتها إيران، بقصف الناقلات النفطية التي غامرت بالإبحار في مياه الخليج، وذلك بإطلاق خط النفط العملاق "خط شرق غرب لنقل النفط، على مسافة 1200 كيلومتراً، الذي يجمع شبكة الأنابيب المركزية في المنطقة الشرقية، في الظهران، والأحساء وفي المنطقة الجنوبية الشرقية، القريبة من الحدود مع الإمارات، والتي ترتبط جميعها بشبكة خطوط فرعية وثانوية تصب كلها في "خط شرق غرب" الذي الذي يسمح اليوم بنقل حوالي 5 مليون برميل نفط يومياً، إلى مدينة ينبع ومينائها النفطي، أكبر ميناء لتصدير النفط في البحر الأحمر.

ومنذ إطلاق خط نقل النفط، وبعد التوسعات المتتالية والكبرى التي عرفها ميناء ينبع، أصبحت قناة السويس المصرية على مرمى حجر من السعودية، لنقل النفط والصادرات النفطية عبر القناة في اتجاه أوروبا وباقي الأسواق الأوروبية والدولية الأخرى.

ولكن تنامي التهديدات والتحديات فرض اليوم على السعودية ومعها دول الخليج، إلى تصدير حوالي 20 مليون برميل من النفط، بما فيها الإنتاجين الإيراني والعراقي، عبر مضيق هرمز، سيسمح للمنطقة بأسرها بفضل خط شرق غرب السعودي بإلغاء أي تهديد مباشر أو مُحتمل بإغلاق المضيق والتأثير على حركة التصدير، خاصة أنه قابلٌ للربط وفي ظرف أشهر إذا اقتضت الحاجة، بمنطقة رابغ السعودية القطب الآخر على البحر الأحمر السعودي، وربطه أيضاً بشبكة خطوط الإمارات، وقطر والبحرين، والكويت، أي ما يُعادل ما بين 15 و 16 مليون برميل من النفط، للتصدير السريع عبر الخط السعودي. 

خط وجسر
وبهذا الشكل يُمثل جسر الملك سلمان، الذي سيربط بين نبق المصرية وينبع السعودية وتحديداً رأس الشيخ حميد، عبر جزيرتي صنافير وتيران، الخط والبديل الاستراتيجي الدائم لحركة النفط والصادرات النفطية ومواد الطاقة المختلفة، في اتجاه البحر الأحمر على الساحل المصري، وعبر قناة السويس، ولكن أيضاً عبر الخط المصري "سوميد" الواقع في منطقة العين السخنة، الذي يُمكن ربطه عبر جنوب سيناء بخط آخر في ظرف زمني معقول، لنقل النفط السعودي والخليجي أيضاً في اتجاه الإسكندرية عبر خط سوميد، المملوك أساساً للشركة العربية لأنابيب البترول، والتي تساهم فيها كل من مصر، والسعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، والذي يُعد من المشاريع المحورية في خطة تطوير محور قناة السويس المصرية، المخصصة بشكل كبير لإقامة مناطق اقتصادية وصناعية جديدة، ومخازن للسلع والمواد المختلفة، وفي طبيعتها النفط، وبتمويلات خليجية ضخمة.

وبذلك يُنهي جسر سلمان عملياً وواقعياً أهمية مضيق هرمز التجارية والعسكرية والاستراتيجية، في انتظار مشروع القرن، أو مشاريع شبكة القنوات التي ستربط الخليج ببحر العرب مباشرة قرب الحدود اليمنية، الذي سيكون منفذاً سعودياً خليجياً إضافياً آمناً ومباشراً في اتجاه قارة آسيا، بعيداً عن إيران كذلك، إلى جانب تنشيط حركة السياحة والتجارة بين الخليج ومصر ورفعها إلى ما يعادل 200 مليار دولار، وربط المنطقة من الكويت إلى الفجيرة في الإمارات، بشكل أقصر وأسرع بمصر وبأفريقيا، ومنهما بالعالم الغربي ما يُعزز بشكل كبير جداً حركة النقل البري والتجاري بين دول الخليج عموماً وأسواق ضخمة كبرى في أفريقيا، ابتداءً بمصر وسكانها المائة مليون عند اكتمال الجسر أو أكثر.

خط نقل النفط شرق غرب من السعودية إلى البحر الأحمربعيداً عن هرمز في انتظار الجسر