الأربعاء 4 مايو 2016 / 17:40

مفكرون عالميون يتحدثون لـ 24 عن الإرهاب والتطرف الإسلامي والغرب

24 - الشيماء خالد

طبعت أحداث الساعة في المنطقة والعالم نقاشات مفكرين كبار، حلوا ضيوفاً على معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2016، وما بين الإرهاب وأزمات العالم وانعكاسها على الأدب، ونظرة الغرب للتطرف الإسلامي وجذور العلاقة التاريخية بين العرب والمسلمين والأوروبيين، والفكر التنويري لابن رشد كشخصية المعرض المحورية، خاض 24 نقاشات مع أبرز أسماء الفكر والفلسفة ممن زاروا أبوظبي أخيراً.

وفي لقاء خاص رأى الصحفي الإيطالي الذي يعتبر من أعلام الموجة الأدبية الجديدة في بلاده، نيكولا لاجويا، أن تأثير الإرهاب على الأدب، لا يتجلى فقط بكتابة القصص عنه، بل بأثر الخوف، ويقول: "هذا الأثر يظهر في الرواية من خلال أشياء كثيرة لا يبدو واضحاً بالضرورة أنه يتجه حيال الإرهاب ذاته، وكأن ذلك الشعور يعبق في الهواء هذا هو نوع الخوف الذي أقصد".

ويضيف: "اليوم قصص اللاجئين والضحايا مأساوية بشكل مفزع، ولكن هناك نواح قاتمة أخرى بالمقابل، فمثلاً أزمات رد الفعل في أوروبا كالهجوم على باريس مثلاً، تتشح بذلك الخوف، وخوفي أنا شخصياً أن يقول بعض الفرنسيين أو الإيطاليين أو الأوروبيين عموماً إن المسلمين كلهم إرهابيون، وهذا طبعاً غير منطقي، ولكن هذه هي المشكلة الأخطر، فمن الصعوبة التفريق بين العقل والشعور الغريزي بالخوف، وهذا الأخير هو عدو التفكير الجيد المنطقي، لذا من المهم جداً أن نبدد الخوف".

ما لا يعرفه الغرب
ويتحدث الفيلسوف الإيطالي فرانكو كارديني عن رؤية الأوروبيين للعالم الإسلامي والتطرف، ويقول لـ 24: "الغربيون لا يعرفون سوى النزر اليسير عن القرآن والرسول محمد والتاريخ العربي والمسلمين، فكثيراً ما يخلط الناس في أوروبا بين العرب والمسلمين، فلا يعرفون أن العرب يمكن أن يكونوا أيضاً مسيحيين، وأن الكثير من المسلمين ليسوا عرب ويتحدثون العربية ـ هذا أمر صعب معقد لشرحه للأوروبيين".

ويضيف: "ما يعرفه هؤلاء عن تاريخ العلاقات بين الإسلام وأوروبا هي فقط الحروب الصليبية، ويعتقدون أن ما بين المسيحيين والمسلمين في 14 قرن، حرب مستمرة وعداء، ولا يعرفون شيئاً عن التجارة المتبادلة والثقافة، ولا يدركون أن الإسلام يعرف الفلاسفة اليونان، وأن ثقافة الإسلام في الواقع ترجمت أرسطو وغيره إلى العربية من اللاتينية هذا كله غير معروف في أوروبا للأسف".

الإرهاب الإسلامي والنازية

ويرى كارديني أن الإرهاب رغم اعتباره أزمة حقيقية، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أوروبا برأيه، ويستطرد قائلاً: "الإرهاب مشكلة، لكن مشكلتنا في أوروبا في التفريق بين الإرهاب الإسلامي والثقافة الإسلامية اليوم يقولون إن الإسلام نظرية سياسية لديها جذور دينية بالتأكيد، حسناً، الإسلام السياسي كنسخة إسلام البغدادي مثلاً بالطبع له جذور دينية، لكن ليست أصل الدين الإسلامي وروحه، وأنا شخصياً أؤمن أن الإرهاب الإسلامي مثل النازية، كانوا يتحدثون عن الله لكن لا يؤمنون به في الواقع، شيء مشابه يحدث اليوم في نطاق الإرهاب الإسلامي عموماً".

ويستذكر كارديني أزمات اللاجئين وضحايا الإرهاب، ويقول: "من المحزن جداً لي الحديث عن القصص المأساوية لكل هؤلاء، لأننا الأوروبيين عموماً ننسى هذه القصص مع الوقت، فهي حين تحدث تجد كل شارع لا يتحدث إلا عنها، لكن بعد شهور أو عام ننسى الأمر، للأسف".

مكان الضحية .. الإعلام والإسلام
وباعتبار العنف حديث الساعة اليوم، يقول الكاتب والروائي الإسباني الشهير، آندريا باربا: "العنف موضوع مثير للاهتمام في الأدب ليس فقط لكونه حولنا يومياً، بل لأننا نحتاج لإخضاعه للنقاش، ولسلطة الفكر قبل كل شيء، وهذا ليس سهلاً، لأنه بحاجة للخيال وعقل قادر على التحليل والتفكير فيه".

ويضيف باربا: "حتى تفهم أثر العنف الكارثي عليك وضع نفسك مكان الضحية، ولفعل ذلك تحتاج لمخيلة غنية، والكثيرون لا يقومون بهذا، فهم عنيفون لأنهم لا يملكون مخيلة كافية لوضع أنفسهم مكان الضحية .. أن تصبح ضحية تجربة صعب تصورها، ولا يعتقد أولئك أنهم قد يصبحون بدورهم في هذه الحالة، وهنا ربما يستطيع الأدب الإبداع في إيصال الفكرة، كأن يبادل الجلاد والضحية المكان مثلاً، فربما يعطي صورة لمرتكبي العنف عن مدى الدمار المجحف الذي سببوه، ليشعروا بالضحايا".

ويرى باربا أن الإعلام الغربي يشكل جزءاً كبيراً ومحورياً في النظرة العالمية ضد العالم الإسلامي، كونه يحدد لهم بطريقته الخاصة تفسير هذا الجزء من العالم، "وهذا ما يجعل التلاقي بيننا وبينكم صعباً، فالأمور ليست أبيض وأسود، جيد وسيء، وللأسف هناك دائماً في إعلام أوروبا هذا النوع من التصنيف للأوضاع والأشخاص والديانات، لذا لا يعرف الناس هناك حقيقة الزوايا المتعددة للأمور، ولا يدركون التعامل تجاه العالم الإسلامي من مفاهيم متنوعة".

أمين معلوف .. طريق المستقبل

ويعود باربا لطرح مسألة الخوف، فيقول: "من الواضح أننا نخاف الآخرين، فترعبنا دياناتهم وأعراقهم وجنسهم حتى، وكل شيء، وفي هذا الوضع تحديداً مع اللاجئين في أوروباً مثلاً، نجد أن الناس هناك تخاف، وأنجع علاج للخوف يتجلى في الثقافة، فأفضل ما نفعله حيال هذا هو طرد هذا الشعور، عن طريق جعل الناس يفكرون ويختلطون بالثقافات، ليروا أننا في الواقع في داخلنا وعقولنا لسنا مختلفين جداً".

وقال الكاتب اللبناني الفرنسي، أمين معلوف، والحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب 2016، أن الجانب الجميل الوحيد للمآسي أنها تنتج أدباً على مستوى رفيع، ويضيف: "أعتقد أن المرحلة الحالية صعبة ومحزنة، لكني أشعر بوعي يبدأ اليوم، لبناء دول وحضارات، وهو ربما الاهتمام الثقافي، والاهتمام بتربية الأجيال الآتية، وهذا طريق المستقبل، حتى نتغلب على كافة المحن التي نعيشها اليوم".

ويعتبر معلوف أن الثقافة مسألة محورية اليوم، لجسامة العصر الذي نعيشه، ويقول: كوننا في مرحلة إحباط معنوي كبيير، ولا إمكانية لاستعادة الأمل بالمستقبل إلا من خلال الثقافة، ولدي شعور كما الكثير من المفكرين أن العالم لا يمكن أن نفهمه بعمق إلا من خلال قراءاتنا، من صفحات من تراثنا وتراث الآخرين كذلك، هذا ما قد يجعل العالم يتخطى المرحلة المعقدة الصعبة التي يعيشها اليوم".

ابن رشد .. نقطة الحوار والتنوير
وعن اختيار معرض أبوظبي الدول للكتاب، شخصية الفيلسوف العظيم ابن رشد، كشخصية العام المحورية، يقول لاجويا: "ابن رشد على جانب هائل من الأهمية في هذا الوقت من الزمن، كونه النقطة التي تحاور فيها الغرب والشرق، لذا هو مهم جداً للأوروبيين وللعرب على حد السواء، ناهيك عن رؤاه التنويرية المميزة".

من جهته، أضاف معلوف: "هو ليس شخصية محورية في تاريخ الفكر العربي فقط، بل العالمي، فهو أنجز أشياء أساسية استلهمتها كافة الحضارات بما فيها الغربية، ولكن من المهم أن نتذكر أنه نشأ في كنف الحضارة العربية".

الفكر العظيم

وقال باربا: "يذكرني ابن رشد بإحدى أغنى فترات الثقافة الإسلامية وأكثرها تأثيراً تاريخياً، التي كانت خليطاً ديناميكياً بين الإسلام والمسيحيين واليهود، فمثلاً في طليطلة كنت ترى إلى أي حد اختلطوا وتفاعلوا رغم اختلاف الثقافات، وإن كان هذا حدث من قبل فلا مانع أن يحدث من جديد، ولكن للأسف من منظورنا العام اليوم يبدو هذا مستحيلاً، رغم أنه كان أصعب وقتئذ مقارنة بالآن، لا سبب في الواقع ألا نفعلها مجدداً كما آمل".

بدوره، قال كارديني: "ابن رشد معروف جداً في أوروبا، هناك ترجمات له وحديث عنه في كل التاريخ الأوروبي، ومن الطبيعي أن ندرك جميعاً أن ابن رشد هو من جذور أهم الأعمال الشعرية لأوروبا لأن دانتي في الكوميديا الإلهية ذكره وأخذ من أفكار مصدرين عربيين طبعاً فدانتي لم يعرف العربية، الأول كان ابن رشد مترجماً لأرسطو والثاني كتاب المعراج وهي المسرى الغامض العربي الإسباني لرحلة محمد من مسجد الأقصى في القدس إلى الجنة، ومن الجميل أن نذكر بفكره العظيم، واحترام العقل والتنوير".