الأحد 8 مايو 2016 / 20:07

الحديث الممنوع فيما تعشقه الجموع

علينا جميعاً أن نتفاءل ونفرح بالجدل الذي نتج عن فعاليات معرض أبوظبي الدولي وإصدارات دور النشر فيه العربية والعالمية والقوائم الطويلة والقصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية - البوكر المليئة في الكثير منها بالتلميحات الخارجة عن المألوف.

ليس من السهل أن تجد حواراً جاداً حول الثقافة وتبعاتها الاجتماعية وجدواها، بل أنه من المستحيل أن تجد حواراً ثقافياً لا يقتحمه من لا يقفون على أرضية صلبة في مقاربة مفهوم "الثقافة" و"الترجمة" إلا للتورية عن فلم جنسي بتسمية "فيلم "ثقافي". وعلى عكس حب هؤلاء للتداول "الثقافي" للجنس فإن تداول موضوع الجنس في الثقافة يبقى محرماً عندهم، حتى عندما يكون توعوياً أو يمس قضايا اجتماعية تحتاج إلى معالجة صادقة وتحليل موضوعي. هذا ما حدث بعد أن أسدل معرض أبوظبي ستاره قبل أيام، ومن المتوقع أيضاً أن يستمر الهجوم على معرض الشارقة للكتاب لاحقاً ـمعرضان تنويريان مهمان في سياقهما العربي والعالمي.

إن موضوع الجنس موضوع ساخن اليوم، فالعالم كله يتحدث عن الجنس لأنه حديث يومي عما يشكل جزءاً مهما من حياة البشر، ولا شك أنه وجد من يستغله من شاكلة داعش ومن لف لفه استغلالا مشينا ليدفع الشباب إلى الإرهاب بمحفزات "الحور العين" و"الجواري". إنه الحوار الذي يركز على أن الجنس هو قمة المكافآت الدنيوية والأخروية، فيبدأ من الكبت لكي يصبح هوساً.

لم يعد موضوع الجنس يشكل تحدياً لأننا نعيش عالماً مفتوحاً، ومصادر المعلومة فيه متعددة ومتاحة للجميع مهما قلت دقتها ومصداقيتها. لذا نحن بحاجة ماسة إلى توعية حقيقية خالية من ابتذال في ظل ثقافة كونية تجتاح الثقافات والحدود الجغرافية.

كل من يعيش الجنس ثم يقول إن الحديث عن الجنس خادش للحياء، هو كمن يشرب الخمر ليلاً ثم يجلد الساقي صباحاً. ليست هذه دعوة للإبحار في الأدب الجنسي فهذا شيء آخر، لأن النزعة الحسية الأدبية ليست كلها "إيروتيكا"، لكن الإيحاء أنك ممن يحب الصالحين ولست منهم، أمر متناقض يدفع إلى السخرية.

يشكل موضوع الجنس هماً كبيراً -مسكوتاً عنه- في المجتمع العربي، فالممارسات -بحسب مصادر غير رسمية في التوجيه الأُسَري- كثيراً ما تكون خاطئة وتنافي القواعد الأخلاقية للمشاركة والمعاشرة، كما أن إحصاءات عدة -حتى وهي أقل من الواقع بسبب حب كثير من العرب للكذب على أنفسهم- تقول إن العرب يعانون من مشاكل كبرى في العجز الجنسي والهوس الجنسي معاً، كما أن اللجوء المتهور للدعارة ظاهرة لدى شباب العالم العربي، إضافة إلى مشكلات أقل شيوعاً وأكثر خطورة كالتحرش بالأطفال وسفاح المحارم والاغتصاب. هذه موضوعات تستحق أن يعمل عليها الأدب المتخيل والواقعي من أجل التوعية بخطورتها.

لقد كان النظام التونسي ما قبل "الربيع" الوحيد عربياً الذي عمم الثقافة الجنسية ضمن منهج التعليم لليافعين، ليؤهل من وجهة نظره الشبان والشابات لمؤسسة الزواج دون حوادث مأساوية كتلك التي يقص أحد القضاة الخليجيين، عن فتاة طلبت الطلاق لأنها لم ترزق بأطفال من زوجها بعد عام زواج، وتبين فيما بعد أنها لم تفقد عذريتها وأن كلا الزوجين يجهلان أبسط قواعد العلاقة الجنسية. كما أتذكر مواقف عدة لمن يتفاخر -وهو محصن- في المجالس بالليالي الحمراء وبحياة السراديب عندما يسافر إلى الخارج لكنه يظهر خلاف ذلك في العلن. أو ذلك الذي يمتلئ سجله الجنائي بقضايا التحرش وهتك العرض ويقضي الليل والنهار في اتهام "التغريبيين" بالفجور وحب الانحلال.

لو توقفنا عند الأمثلة من الواقع فلن ينتهي المقال، لكن الشيء بالشيء يذكر، فأحد الإماراتيين ألف كتاباً وضع مثل هذه القصص، بغض النظر عن مستواها الأدبي والسردي. ولو زعمنا أن تلك القصص في أصلها شائعات ومبالغات ناتجة عن حب الشباب للتفاخر الجنسي أمام أقرانهم، فإن القصص المنسوجة حول الواقع تعكس نمط تفكير شائع وهمٍّ اجتماعي "واقعي" حتى وإن لم تكن حقيقة، وحتى إن كان مستوى الطرح الأدبي متدنياً. وعلى من يقول إننا مجتمع يمكن أن يشمئز من "سوالف فلان" عن الجنس أن يلطم نفسه، فهو كذاب أشر، ويكفي المرء منا أن يجلس على طاولة مقهى لنصف ساعة حتى يعتقد أن العرب ليس في حياتهم شيء أهم من الجنس، فالقصص والنكات والسخرية بين الشباب معظمها جنسي لكن "السوالف" تلك إذا تحولت كتاباً لزم منعه ومصادرته! فهل العيب أن الكتاب "جنسي" أم أنه يحكي حياة الجنس التي نعيشها ونتكلم عنها "خارج السجلات" أو "off the record" كما يقول الإنجليز؟!

لو كان أي كتاب رديئاً فقل رأيك فيه وهذا حق مشروع، لكن أن تقول إن الحديث عن الجنس رديء، فالأمر يشبه أن تقول إن الفقه حول النكاح وآداب المعاشرة رداءة أيضاً، وإن ما ورد في الموروث حول العلاقة الزوجية فيه فجور، ولسابقك إلى الاحتفال بهذا القول الملحدون وأعداء الدين –والعياذ بالله- لو كنت تدري.