الإثنين 16 مايو 2016 / 18:16

مثل أوراق الشجر

تعدّ الطفولة هي الربيع الأول للإنسان، مهد البراءة والجمال، فالحياة خالية من الهموم، أحلامها تبدو سهلة وأقرب لليد من الخيط الذي تمسك به البالون. هي من أهم المراحل التي تترسخ فيها المبادئ والقيم؛ لتشكل شخصية الإنسان. من أهم العوامل المؤثرة في الطفولة ما يكتسبه الطفل من معارف وعلوم وقيم، من والديه ومن المصادر المتنوعة التي تشكل القراءة إحدى أهم أنواعها؛ لدورها الفاعل في مراحل حياة الإنسان كلها؛ من أجل ذلك تسعى الأسرة والمدرسة والمجتمع مشتركين معا في ترسيخها عادة تبدأ من الطفولة من أجل مجتمع قارئ و واعٍ؛ من هذا المنطلق اختار رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -حفظه الله- القراءة لتكون هذه السنة عامها المميز.

وإذا ما تأملنا الأدب الموجه للطفل العربي، سنجد تطورا كبيرا قد طرأ عليه وخاصة بعد 2005، وهو تطور من حيث الشكل والمضمون، حتى صارت قصة الأطفال العربية تنافس في المسابقات الدولية وتبرز في المعارض العالمية. من ناحية الشكل و الإخراج طرأ اهتمام كبير بالرسومات حيث استخدمت تقنيات فنية جديدة، لم تعرفها القصة العربية سابقا، كما شهدت نوعية الأوراق والألوان تميزا ملحوظا. من الموضوعات الجديدة ميل الشباب للقصص المصورة، برز ذلك جليا في معرض كوميكون في دبي، حيث التقيت بعدد كبير من الشباب والشابات من الخليج والعالم العربي، بعضهم جاء من استراليا وكندا وأمريكا للمشاركة في المعرض ومنهم من احترف في هذا المجال كتابة أو رسما، ومن جمع بينهما، فبعضهم غيّر قليلا في طريقة رسم المانغا المتأثرة بالفن الياباني للعيون والملابس؛ لتكون أقرب في الشكل والمضمون للإنسان العربي. أضف لذلك وجود معارض مخصصة للطفل، مثل المهرجان القرائي للطفل الذي يعقد كل عام في الشارقة.

أما من حيث الموضوعات المطروقة فقد خرجت القصة العربية من الموضوعات المكررة، والوعظ المباشر في القصّ؛ لتنطلق إلى رحاب السرد، فتنوعت موضوعاتها؛ لتصبح أقرب وجدان الطفل و واقعه، مبتعدة عن الفوقية في الخطاب، والتركيز الشديد والمباشر على القيم والأخلاق ، التي يتناسى كُتابها حاجات الطفل النفسية والعلمية ومراحل نموه العقلي والنفسي والجسدي.

من الموضوعات الجديدة للأدب الموجه للطفل العربي حقوق الطفل، و حقوق الإنسان وتقبل الآخر المختلف عن الطفل، لاسيما المصابون بشتى أنواع الإعاقات. إضافة إلى الاهتمام بالبيئة، والطاقة المتجددة وغيرها من الموضوعات.

ومؤخراً بدأت القصة العربية تطرق موضوع الموت، الذي تجنبه معظم كُتاب الطفل، وأقصد هنا الجانب النفسي والاجتماعي للطفل الذي يفقد شخصا عزيزا عليه.سأتوقف عند قصتين الأولى للكاتبة ناهد الشوا بعنوان "أشتاق أشتاق" ، تبدأ أحداث القصة بطفل فقد أباه، وكيف أستشعر بالفراغ والوجع في حياته، وكيف صاحبه الفراغ فترة، حتى بدأ يصغر من خلال اندماج الطفل وتكيفه مع واقعه، لكنه سيبقى مشتاقا لوالده. القصة الأخرى " مثل أوراق الشجر"من تأليف لُما عازار، يبدأ تدريجيا مع موضوع الموت، حيث تبدأ الطفلة بملاحظة مظاهر الحياة ثم الموت حين تراقب الوردة والقط والسمكة، لتدرك أن لكل حي بداية ونهاية، وبينهما حياة، وأن هناك أمورا في العالم لا يمكن تغييرها؛ لتتحدث عن مرض خالها، محاولة إسعاده في أيامه الأخير، لكنه يموت؛ بعدها تتحدث الطفلة عن مشاعر الحزن و الغضب لموته، والإحساس بالفراغ، متمنية لو كانت قادرة على استعادته، لكنها ستذكره دائما. إذا كانت القصة بدأت من نهاية الأحياء على وجه الأرض بموتهم، فإنها تبثّ الأمل حين تراقب الطفلة تساقط أوراق ونمو أخرى، تركز بعدها الطفلة على كل الأشياء الجميلة في حياتها، لأنها غنية بالخيارات الكثيرة، والمستقبل الواعد لطفلة تحلم بيوم جديد.

نحتاج إلى أن نزرع ثقافة الحياة وجمالها، فهي تستحق أن تعاش بإيجابية وتفاؤل، فيمضي المرء حياته بين علم يطلب، وعمل ينجز بإتقان، موازنا بين الاستمتاع بحياته وبين مسؤولياته، يمضي نحو حلمه الشخصي، مدركا وواعيا بأحلام بلاده وطموحاتها، مساهما فيها حسب قدراته وإمكانياته. وما أعظم الأحلام حين تتعانق مع حلم الوطن!.