السبت 21 مايو 2016 / 19:26

النجومية بالوكالة

نعيش في عالم متقلب، تتغير فيه المفاهيم وحتى المبادئ في فترات قصيرة. ونحن كأولياء أمور نجد أنفسنا في نضال مستمر للمحافظة على قيم مجتمعنا وغرسها وتعزيزها في أبنائنا، خوفاً عليهم من الأشكال المتغيرة للنسخة المتجددة من العالم المحيط بهم. هذه المهمة التربوية هي دورنا الرئيسي كآباء وأمهات، ولا يمكن أن نحملّها جهات أخرى كوزارات أو مؤسسات أو حتى حكومات. همنا الأكبر هو حماية أطفالنا من الأذى وسعينا اللاهث لعزلهم عن كل ما يمكن أن يؤثر عليهم سلباً نفسياً وجسدياً.

تحدياتنا تكبر بتنوع المجتمع وتطور التقنيات، وتعرض أطفالنا لمواقف لا نملك السيطرة عليها، سواء في باحة المدرسة أو حتى في غرفة المعيشة حيث يشاهدون برامج التلفزيون. ربما كابوسنا الأعظم هو التحرش الجنسي من الأقرباء أو الغرباء، وضياع براءة الطفولة التي لا يمكن أن يعيدها شيء بعدها.

في هذه البيئة المحفوفة بالتحديات، نسعد كثيراً عندما نرى مجموعة من الأطفال الأذكياء المتميزين بمواهبهم ومهاراتهم، ومن الطبيعي أن نستنتج أن جزء من هذا الإنجاز هو ثمرة تربية جيدة احتضنت الطفل وقدمت له الدعم النفسي والمادي ليركز على موهبته ويستمتع بها ويمتعنا نحن أيضاً. وبهذا يشترك الطفل وولي أمره في موجة الإعجاب التي تنتج عن مظاهر موهبة الطفل، سواء كانت في العلوم أو الفنون أو الرياضة وغيرها.

ولكن لهذه الظاهرة جانب آخر قد لا نلاحظه في هذه المرحلة المبكرة من وعي مجتمعنا. وفقط عندما نواجه بأنفسنا طفلاً يمر بها، ندرك وجود هذه الظاهرة الخفية، التي أصبحت معروفة في بعض الدول الغربية، ودرسها علم النفس، حتى صار لها مصطلح علمي معروف. يطلقون عليها اسم خلل الإنجاز بالوكالة، وهو خلل نفسي يعاني منه الشخص الذي يسعى وراء النجومية باستخدام إنجازات الطفل أو الشاب. وبدأت هذه الظاهرة بالأهالي أو المدربين أو مدراء الأعمال الذين يستغلون الموهبة الرياضية لأطفالهم ليحققوا ذاتهم أو من أجل الكسب المادي. هؤلاء الأفراد يستخدمون الطفل الموهوب للوصول إلى مآربهم، ويضغطون عليه وقد يحطمونه من أجل تحقيق أغراضهم الشخصية. ومن الرياضة، انتقلت الظاهرة إلى مسابقات الجمال للفتيات الصغار، ومنها أيضا إلى برامج الواقع، حيث يشارك في هذا الاستغلال مدراء الأعمال والاستدويوهات المنتجة للبرامج.

ما يهمني هنا أننا في مجتمع يجهل هذا الخلل ولا يعرف أعراضه، ويشارك بطريقة غير مباشرة في انتشاره. وقد انتشرت بيننا مؤخراً قصص بعض الأطفال المميزين، وترى وراءهم أهاليهم يقفون فخورين بمواهب أطفالهم وإنجازاتهم، ولكن يندس بينهم من يستغل طفله، ويضغط عليه نفسيا – وربما حتى جسدياً – ويعلمه ماذا يقول، وكيف يقف، وكيف يبتسم بزيفٍ، إلى أن فقد الطفل براءته وصار يستميت لإرضاء أهله حتى وإن كان محطماً أو غير مقتنعا بما يفعل. هؤلاء ما عادوا أطفال بل هم ممثلين في أجساد أطفال. وهذه جريمة وخيانة علينا أن نلتفت لها ونحميهم منها، ونحميهم من أولياء أمورهم الذين ضلوا طريقهم وفقدوا صوابهم، وصار طفلهم ضحية لهم ولنفسياتهم المريضة.

نعم، سعادتي غامرة بمواهب أطفالي وإنجازاتهم على الصعيد الشخصي. ونعم، عندما أرى موهبة يمكن تسليط الضوء عليها، سأسعى جاهدة لدعمهم وتوفير الظروف التي تمكنهم من إبراز تلك المواهب في أي محفل يرغبونه. ولكن، إن شعرت ولو للحظة أن طفلي ما عاد يستمتع بإبراز موهبته، أو قد يتعرض للاستغلال أو الشهرة الضارة، سأسعى لإيقاف الظروف التي يمكن أن تضر به. هذا هو دوري كولية أمر، فليس من واجبي أن أكون مديرة أعمال، مهما كانت المكاسب المادية.