الإثنين 23 مايو 2016 / 19:47

لماذا أطاح نتانياهو بوزير دفاعه!

جاء انهيار المفاوضات مع هرتسوغ، وعزل يعالون من منصبه، وتقديم المنصب نفسه لأفيغدور ليبرمان، أحد أكثر المتشددين تطرفاً في معسكر اليمين، مفاجأة غير متوقعة، وكان له، كما ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية "وقع الصدمة"

يُعتبر حامل حقيبة الدفاع (تُسمى في القاموس الإسرائيلي وزارة الأمن) من الشخصيات الرفيعة في بنية الدولة الإسرائيلية، ويمثل مركز ثقل قد يوازي رئيس الحكومة. وغالباً ما خرج رؤساء الحكومات من صفوف الجنرالات، الذين حملوا هذه الحقيبة، أو تولوا رئاسة الأركان.

وإذا كان في حقيقة كهذه ما يضفي أهمية خاصة على إطاحة بنيامين نتانياهو بوزير الدفاع في حكومته، موشي يعالون، إلا أنها لا تختزل الأبعاد والتداعيات المُحتملة لأمر كهذا، اختلطت فيه، وتشابكت، ألاعيب السياسة الداخلية، ومناورات السياسة الخارجية، ورهانات قوى إقليمية ودولية على إمكانية إخراج "عملية السلام" من غرفة العناية المركزية.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجية، تذرّع نتانياهو، دائماً، بهشاشة ائتلافه الحكومي، وتعرّضه لضغوط من جانب شركائه السياسيين، في معسكر اليمين، تمنعه من المغامرة بخطوات من شأنها استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكنها قد تؤدي إلى الإطاحة بالحكومة. لذلك، أثارت مفاوضاته مع زعيم تكتل المعسكر الصهيوني (العمالي) المُعارض، اسحق هرتسوغ، لضمه إلى الحكومة، اهتمام ورهان قوى إقليمية ودولية، خاصة وأنها تزامن مع حراك إقليمي ودولي تجلى في المشروع الفرنسي لعقد مؤتمر دولي للسلام، ومبادرة الرئيس المصري لتفعيل "عملية السلام".

وفي سياق كهذا، جاء انهيار المفاوضات مع هرتسوغ، وعزل يعالون من منصبه، وتقديم المنصب نفسه لأفيغدور ليبرمان، أحد أكثر المتشددين تطرفاً في معسكر اليمين، مفاجأة غير متوقعة، وكان له، كما ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية "وقع الصدمة". وربما كان هذا، أيضاً، في ذهن إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، الذي قال في معرض التعليق على الانقلاب في موقف نتنياهو: "لم يعد أحد في العالم يُصدّق الحكومة الإسرائيلية".

بيد أن الانقلاب المفاجئ في سلوك نتانياهو يجد تفسيره الحقيقي في ألاعيب وتوازنات السياسة الداخلية، التي تضمن استمراره في الحكم، واسترضاء معسكر اليمين وجمهوره. وبهذا المعنى تبدو عملية الإطاحة بوزير الدفاع يعالون، وسيلة إيضاح مثالية للتدليل على الخطوات المتلاحقة والمتسارعة لتصاعد النزعات الفاشية في المجتمع الإسرائيلي. ففي مارس (آذار) الماضي أطلق جندي إسرائيلي، في الخليل، النار على رأس جريح فلسطيني ملقى على الأرض، وقتله بدم بارد، ولم يكن في الإمكان تبرير الجريمة، التي نجح أشخاص مختلفون في تصويرها لحظة وقوعها.

لذلك، طالب وزير الدفاع بالتحقيق مع الجندي، ومحاكمته. وقد أثار هذا الموقف ردود فعل غاضبة في معسكر اليمين، وشرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي نفسه، تعبيراً عن "التضامن" مع الجندي القاتل. ولم تشفع لموشي يعالون حقيقة أنه أحد صقور اليمين. وبين ليلة وضحاها أصبح عرضة لانتقادات وحملات إعلامية وسياسية تدعو لإقالته. وعلى الرغم من حقيقة أن نتانياهو أيد موقف وزير دفاعه بعيد وقوع حادثة القتل، إلا أنه سرعان ما تراجع، والتحق بركب المتعاطفين مع الجندي القاتل، خشية إلحاق الضرر بصورته في أوساط مؤيديه، والجمهور الإسرائيلي، بشكل عام.

أما القشة التي يبدو أنها "قصمت ظهر البعير" في علاقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بوزير دفاعه، فتتجلى في تصريحات أطلقها، مؤخراً، نائب رئيس الأركان يائير غولان، في مناسبة إحياء ذكرى المحرقة (الهولوكوست)، وقال فيها إن الأجواء العامة في إسرائيل تعيد التذكير بأوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، التي شهدت صعود الفاشية والنازية. وقد تعرّض، بدوره، لعاصفة من الانتقادات، لكن وزير الدفاع لم يلتحق بالجوقة، وأصر على حق نائب رئيس الأركان في التعبير عن رأيه.

وإذا جاز العثور في حادثة القتل في الخليل، وفي تصريحات نائب رئيس الأركان، على ما يفسّر الإطاحة بيعالون، فلا يجوز إسقاط التداعيات المُحتملة لأمر كهذا من الحسبان. فيعالون أعلن استقالته من الحكومة، والكنيست (البرلمان)، مبرراً ذلك بفقدان الثقة في رئيس الحكومة. ويبقى انتظار ردّة فعل المؤسسة العسكرية على وجود شخص كليبرمان على رأسها.

فمن يتولى وزارة الدفاع يملك صلاحيات واسعة في إسرائيل، ولا يرتاح الجنرالات، عادة، لوجود مدني في هذا المنصب، بحكم افتقاره إلى الخبرة في الميدان الأمني، ناهيك عن سمعة ليبرمان السيئة، فقد دعا في سنوات مضت إلى تدمير سد أسوان، وإغراق مصر، وهي التصريحات التي دفعت المصريين لاعتباره شخصية غير مرغوب فيها في مصر. ولم تكن علاقته، في فترة توليه وزارة الخارجية، جيّدة بأقرانه في دول الاتحاد الأوروبي وحتى في الولايات المتحدة.

وما يستحق التذكير، في هذا الصدد، أن عملية الإطاحة بيعالون، وتنصيب ليبرمان وزيراً للدفاع، تقدّم دليلاً إضافياً على ما ذهبنا إليه في مقالة سبقت بعنوان "إسرائيل تغيّرت" (موقع 24 بتاريخ 17 أبريل 2016) حول مدى تغلغل واتساع رقعة الفاشية في المجتمع الإسرائيلي، التي لم تعد تخفى على أحد، ولم تعد تحتمل التسامح والتهاون حتى مع شخصيات مركزية، تقرع في معسكر اليمين نفسه، بهذا القدر أو ذاك من الصراحة، جرس الإنذار للتحذير من تفشي الفاشية، وتعاظم نفوذها.