الإثنين 23 مايو 2016 / 19:44

اطلبوا السلم ولو في باريس

المرحلة القريبة المقبلة تحمل الكثير من المفاجآت، ويأخذني الظن الآثم إلى أن المؤتمر الدولي لن يكون أكثر من مظلة لما هو قادم من حراك تسووي في المنطقة، ينتهي إلى إعلان نهاية مشروع الدولتين ومشروع الدولة الواحدة ليتم تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.. بلا فلسطين مستقلة أو محتلة

هل نحن على عتبة مرحلة جديدة في ملف التسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي؟ وهل تعني الدعوة الفرنسية إلى عقد مؤتمر للسلام في باريس في بدايات يونيو (حزيران) المقبل تحركاً دولياً جاداً لمعالجة هذا الملف أم أنها خطوة على طريق طيه وإغلاقه بلا حل من أجل ترسيخ الواقع الاحتلالي القائم؟

يصعب الجزم والحسم بنية الطرف الفرنسي، وهدف المبادرة الفرنسية التي تبدو في الواقع متقدمة على الكثير من الأفكار المطروحة للتداول كأساس لإنهاء الصراع، كما تبدو قريبة جداً من المبادرة العربية للسلام التي تم تعديلها لنيل الرضى الأمريكي، وهي في كل الأحوال تعيد الملف إلى الواجهة بعد أن تراكم عليه غبار الربيع العربي.

لكن مَن قبِل تجميد الدور الأممي وراهن على الرعاية الأمريكية، لا يملك الآن أن يرفض الجهد الفرنسي الذي يبدو معبراً عن تحرك أوروبي خارج عن النص الأمريكي، ويعتمد رؤية غير منحازة بالمطلق للاحتلال الاسرائيلي، تم التعبير عنها في أكثر من موقف ومناسبة، كما بدأ الأوروبيون بترجمتها بخطوات جريئة كان آخرها مقاطعة منتجات المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الإجراء الذي أشعل الغضب الإسرائيلي، لأنه تم بإرادة أوروبية محضة، ولم يكن استجابة تكتيكية لمطلب عربي.

وتعود جذور المأساة إلى أوروبا أصلاً، وإلى وعد بلفور الذي أسس لوجود هذا الكيان الاحتلالي في فلسطين، ويبدو أن القارة العجوز تدخل الآن في مرحلة مراجعة لتاريخها الحديث، وتسعى إلى تصحيح أخطائها والتكفير عن خطاياها. ويبدو أن التحرك الأوروبي الأخير، من خلال المبادرة الفرنسية، يعبر عن هذا التوجه ويؤسس لحراك جاد لتحقيق تسوية أقل ظلماً للفلسطينيين.

هذه رؤية نظرية لدوافع الحراك الأوروبي الحالي، لكنها ليست بالضرورة رؤية قادرة على الصمود أمام الواقع الذي يؤكد أن الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الأقوى والأقدر على الحسم في ملف التسوية للصراع الذي يخفت أحياناً ولكنه لا ينطفئ أبداً.

نظرياً يمكن للمبادرة الفرنسية أن تحظى بالقبول الفلسطيني، وقد حظيت به رسمياً، ويمكن أيضاً أن تحرج إسرائيل، وقد أحرجتها فعلاً، ويمكن أن تحصل على الدعم العلني من واشنطن، وإن كان الفعل الأمريكي لا يتوافق دائماً مع الموقف المعلن.

لكن ما يجري على الأرض، وما يتم رسمه في الكواليس في واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية، يبدو بعيداً جداً عن هذا التفكير التقليدي بالتسوية من خلال مؤتمر دولي، سبقته مؤتمرات ومبادرات كثيرة وكبيرة، انتهت إلى الفشل والعجز عن تغيير الأمر الواقع بالقرار السياسي.

وإذا كانت ممكنة استعادة مشهد مؤتمر مدريد للسلام، فإن مؤتمر باريس لن يكون مختلفاً عن شبيهه الإسباني في شيء، ففي الوقت الذي كانت فيه الوفود تعقد جلساتها العلنية في مدريد كانت لقاءات سرية أكثر حسماً وخطورة تجري في أوسلو.

وبينما كان السياسيون العرب والأجانب يطرحون في إسبانيا رؤاهم الكلاسيكية للسلام العادل، كان سياسيون فلسطينيون وإسرائيليون يتبادلون في النرويج أفكارهم الجريئة لتحقيق السلام الموجع.

كان ذلك في زمن مختلف أكثر وضوحاً وأكثر تفاؤلاً. أما الآن فنحن في زمن حالك الظلمة، بعد أن شطبت القيادة الفلسطينية كل خياراتها الشرعية واختصرت كينونتها في الجهد التسووي التفاوضي، وهو ما أسس لنزوع دول عربية فاعلة إلى انتهاج الأسلوب ذاته لإغلاق الملف.

وبينما يتم الحديث علناً عن المبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي المزمع عقده في باريس، تتسرب المعلومات من الكواليس السياسية حول اتصالات وأفكار جديدة وجريئة يتم تبادلها بين إسرائيل وأطراف عربية. وربما تكون هذه الإتصالات مقدمة للقاءات سرية تتزامن مع مؤتمر باريس، وتتداول أفكاراً من خارج صندوق التسوية التقليدية.

أشعر أن المرحلة القريبة المقبلة تحمل الكثير من المفاجآت، ويأخذني الظن الآثم إلى أن المؤتمر الدولي لن يكون أكثر من مظلة لما هو قادم من حراك تسووي في المنطقة، ينتهي إلى إعلان نهاية مشروع الدولتين ومشروع الدولة الواحدة ليتم تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.. بلا فلسطين مستقلة أو محتلة.

ويرعبني أن نشهد في يونيو (حزيران) نكسة جديدة.