الخميس 26 مايو 2016 / 08:59

مجلس التعاون.. وحتمية البقاء

د.أحمد عبد الملك- الاتحاد

حلت أمس الذكرى الـ35 لإنشاء مجلس التعاون الخليجي، الذي حتّمته ظروفٌ إقليمية ودولية، تمثلت في الفراغ الأمني برحيل بريطانيا من المنطقة وإنهاء معاهدات الحماية مع بلدان الخليج العربية، علاوة على هاجس اقتراب الاتحاد السوفييتي من مياه الخليج بعد تغلغل قواته في أفغانستان، وما تلمسه قادة بلدان المجلس من أهمية التحالفات الإقليمية في مواجهة الأطماع الخارجية، هذا فضلاً عما جاء في ديباجة النظام الأساسي للمجلس من ذكر للعلاقات الخاصة والسمات المشتركة والأنظمة المتشابهة والمصير المشترك ووحدة الهدف، مما يجمع شعوب المجلس.

وقد واجه المجلس العديد من الأزمات، بسبب تحولات إقليمية ودولية، لكنه صمدَ وعاود مسيرته نحو ما تتطلع إليه شعوبه، ولعل المشكلة الأكبر التي واجهت المجلس كانت انهماكه في الشؤون السياسية والأمنية، وهو أمر مهم حتماً، لكن هناك من يرى أولوية الانشغال بتطوير مجالات التعاون فيما يتعلق بحياة الإنسان، وأن يسبق المجلسُ الدول الأعضاء في تبني طروحات لتطوير آليات التعامل مع الإنسان، وعصرنة القوانين المتعلقة بحياته وحقوقه، وهي مواضيع يُشار إليها في المحافل الدولية.

لقد حقق المجلس بعض الخطوات المشتركة في التعليم والصحة والرياضة وتقريب التشريعات، لكن هذا لم يكن كافياً لإدماج الشعوب في مناقشة القضايا المصيرية، وأذكر خلال أيام الأمين العام الأول عبدالله بشارة، أنه جرت ندوات فكرية نظمتها الأمانة العامة، أن مفكرين خليجيين طلبوا نقل صوتهم إلى المجلس الوزاري ثم مجلس الرؤساء، وتكرر الأمر ذاته في عهد الأمين العام السابق عبدالرحمن العطية، لكن الهم الأمني والسياسي كانا يهيمنان على الاجتماعات.

وقد تعامل مجلس التعاون تعاملاً جيداً مع الأزمات، وكان احتلال العراق للكويت من أخطر الأزمات التي واجهت المجلس، لكنه صمد وما زال، حتى في أزمة اليمن، وهي امتحان آخر، بل الجديد هو أن تأخذ دول المجلس قرار الحرب لإعادة الشرعية في اليمن.

وشكلت التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول المجلس تحدياً آخر، ناهيك عن استمرار الاحتلال الإيراني لجزر الإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، والتدخلات الإيرانية في العراق وسوريا.

ومنذ عام 2011 برز الحديث عن الاتحاد الخليجي كمبادرة للعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، خلال قمة الرياض. وفي قمتي الكويت والدوحة ارتأت بعض الدول الأعضاء إعطاء المشروع مزيداً من الوقت لدراسته.

وبحسب الظروف الحالية لدول المجلس، ونتيجة الأحداث المتلاحقة، وتغير الموقف الأميركي من إيران، فإن موضوع الاتحاد يلحّ بقوة، وهناك من يراه الحصنَ الحصين من الأخطار المحدقة بالمنطقة، كما أن هناك من يرى ضرورة التريث َوعدمَ التسرع بالانتقال نحو الاتحاد، فالتجارب الاتحادية العربية، منذ اتحاد مصر وسوريا ثم اتحادهما الثلاثي مع ليبيا وبعده «مجلس التعاون العربي»، ثم الاتحاد المغاربي.. كلها تجارب عاطفية واندفاعية لم تلبث طويلاً.

بعض المتحمسين لقيام الاتحاد الخليجي لا يلتفتون إلى حقيقة التباين في شكل الأنظمة السياسية، إذ هناك دول ذات برلمانات مُنتخبة كاملة مثل الكويت، ودول فيها برلمانات ذات غرفتين مثل مملكة البحرين وسلطنة عمان، وهنالك دول فيها مجالس اتحادية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، ودول فيها مجالس شورى مثل المملكة العربية السعودية ودولة قطر.

كما أن الاختلافات في عدد السكان والمساحة، والتباين في العلاقة بين بعض دول التعاون ودول الجوار.. كل ذلك يشكل عوائق ينبغي أخذها بالاعتبار. أما كيفية التغلب عليها، فتلك مسألة بيد القادة والسياسيين، فالقرار السياسي تحكمه عدة أمور قد لا تتضح للمُحلل، كما أن عالم السياسة عالم غير ثابت، ومن هنا جاءت فكرة دراسة موضوع الاتحاد بعناية لاستكمال كل جوانبه.

لقد أثبت مجلس التعاون قوته خلال 35 عاماً الماضية، وقد حقق العديد من المنجزات، لكن الظروف الحالية تجعل من العقلانية بمكان دعمه عبر الدفع بتلاحم الشعوب، وتسهيل أمور الناس وتحديث القوانين والتشريعات، وقيام مؤسسات مشتركة تحقق التلاحم والتكامل في كل المجالات.